زمن رمسيس نجيب المنتهي
أول تلك الحكايات وواحدة من أهمها في مسيرة زكي هي رفض المنتج الشهير رمسيس نجيب وقوفه أمام سعاد حسني لبطولة فيلم "الكرنك" (1976)، بعد أن اختاره المخرج علي بدرخان للدور. كان نجيب آتياً من سينما الأبيض والأسود الكلاسيكية، تصور البطل عنده هو وسامة رشدي أباظة وأحمد مظهر، وبالتالي فالاستمرار الطبيعي لنجوم الصف الأول هو حسين فهمي ومحمود عبد العزيز ونور الشريف.
في المقابل، فإن بدرخان كان ابن جيلٍ جديد يحاول تغيير تلك الصورة النمطية، أسوةً بما يحدث في السينما حول العالم، وتبديل مقاييس "النجومية" من اللمعان والوسامة إلى تصورات أكثر واقعية وقرباً من الناس.
انتصر منطق المنتج نجيب في النهاية؛ استبعد زكي من الفيلم لصالح الشريف، الأبيض الوسيم الموائم لتصورات النجومية، وهو ما ترك جرحاً نفسياً في روح زكي، وجرحاً حقيقياً في جبهته؛ إذ كسر كوب مياه فوق رأسه حين عرف بتغييره، ليقول حينها لمؤلف الفيلم ممدوح الليثي ومخرجه بدرخان أنهما سارا وراء نجيب لأنه ملك السينما وصاحب المال حالياً، ولكنهما "سيندمان": "ستركضان ورائي وتعرفان أن زمن رمسيس نجيب انتهى". وهو ما حدث فعلاً، صار نجماً، وانتهى زمن النجومية البيضاء، بل بعد 5 سنوات فقط أحبته سعاد حسني في فيلم "موعد على العشاء" (1981) للمخرج محمد خان، وفضلته على حسين فهمي، في لحظة محورية من تبدل فكرة "النجم" في المخيلة الجماعية.
الحركة نحو الـ"ميثود أكتينغ"
الـ"Method Acting" هي واحدة من أهم المدارس الأدائية في السينما، وأساسها هو التعايش الكامل بين الممثل والشخصية التي يقوم بها، حتى في حياته الحقيقية أثناء مرحلة التصوير، حيث يمّحي الخط الفاصل بينهما تماماً. أحمد زكي أهم ممثل عربي اتبع تلك المدرسة، وكان ذلك مناسباً جداً لمخرجي الثمانينيات الذين يبتغون الواقعية ويبتعدون عن الشكل الكلاسيكي في التمثيل، ولعل ذلك ما يفسر كونه بطلهم المفضل دائماً، والوحيد الذي عمل مع كل مخرجي هذا الجيل الفريد.
وهناك أكثر من حكاية عن انسلاخ أحمد زكي تحت جسد الشخصية التي يمثلها لدرجة عدم قدرته هو نفسه على الخروج منها؛ في عام 1986 مثلاً كان المخرج عاطف الطيب يصور فيلم "البريء"، وفجأة رأى بين الأراضي الزراعية فلاحاً يمشي من بعيد، ولديه نفس الأداء الجسدي وشكل الحركة الذي يريده لبطله "أحمد سبع الليل". طلب الطيب من الطاقم النداء على زكي كي يرى الشخصية ويقلدها، وبعد بحث طويل اكتشفوا أن الفلاح الذي رآه الطيب هو نفسه الممثل، الذي لم يخرج من الشخصية حتى في وقت الراحة.
وفي عام 1987، أصيب بالقولون العصبي أثناء تصوير "زوجة رجل مهم" بسبب التعايش بينه وبين الضابط "هشام" المضغوط نفسياً. وفي نفس العام اعتقد سفير دبلوماسي في حي الزمالك بالقاهرة أن زكي بواب حقيقي وعنفه بشدة بسبب عدم تحيته. وبعد عام كامل من تصوير "أيام السادات" (2001)، ظل الرئيس السابق عالقاً في طريقة زكي لدرجة أنه خبط رأسه في الحائط أثناء تصوير "معالي الوزير" (2003)، لأنه ظل يتحدث بنفس طريقة "السادات"، ليحادثه في خياله ويقول له "اطلع من نافوخي". وأخيراً فإنه ــ بشكل وتفكير مقصود ــ كان يمزج بين مرضه ومرض عبد الحليم حافظ، ليموت كلاهما مع نهاية فيلم "حليم".
المنافسة مع عادل إمام
رغم القيمة الفنية العالية لمسيرة أحمد زكي، إلا أنه كان مشغولاً بشدة في نفس الوقت بالمنافسة مع عادل إمام على شباك التذاكر، والتأكيد –على الأقل- أنه قادر كل حين وآخر على اعتلاء القمة. ويحكي المقربون منه (مثل الإعلاميين محمود سعد وعمرو الليثي) عن سخريته الدائمة من أدوار إمام ونجاحاته، وفي نفس الوقت تأكيده أنه "قادر على جذب الجمهور أيضاً إذا فعل المثل".
ولعل ذلك ما يفسرالعدد الكبير من الأفلام التجارية التي قدمها في التسعينيات، مثل "سواق الهانم" (1994)، "الرجل الثالث" (1995)، "استاكوزا" و"نزوة" و"أبو الدهب" (1996) ثم "حسن اللول" (1997)، وكلها أفلام قيمتها الفنية ضعيفة، وهدفها الأساسي هو نجاح التذاكر والوقوف أمام سطوة ونجومية عادل إمام.
الأدوار التي ندم عليها
هناك الكثير من الأدوار التي رفضها زكي أو حدث خلاف بينه وبين المخرج وانتهت عند ممثلين آخرين، وفي العادة لم يكن يحب النظر وراءه. ولكن مع ذلك فهناك دوران لم يستطع إلا الندم عليهما؛ الدور الأول هو "فارس" في فيلم "الحريف" (1984)، الذي يروي مخرجه محمد خان أن "زكي شعر بالغيرة الشديدة من الدور ومن أداء عادل إمام فيه"، وكان يقدر الفيلم لدرجة أنه حينها كان يعرض له فيلم آخر أكثر نجاحاً في شباك التذاكر هو "النمر الأسود"، ولكنه لم يفرح بذلك، واحتد على أحد الصحافيين حين أخبره بانتصاره على إمام، قائلاً – بحسب رواية خان - إن "الحريف هو ما سيبقى".
أما الدور الثاني فهو رفضه لدور "الشيخ حسني" في فيلم "الكيت كات" (1991)، والذي صار واحداً من أهم الأفلام في تاريخ السينما العربية، ومن أنجحها على الإطلاق. فقد رفض الدور بسبب خلافات مالية بينه وبين المخرج داوود عبد السيد، ثم ندم بعد ذلك بشدة مع النجاح الساحق للفيلم والأداء التاريخي لبديله محمود عبد العزيز.