يقول الممثل والمسرحي السوري الراحل عمر حجو عن تجربته في تأسيس مسرح "الشوك"، أواخر ستينيات القرن الماضي: "لقد حاولت إيجاد نوع ثالث يمزج بين المسرحين النخبوي والشعبي، ويخلق حالة من التواصل مع الجمهور بفكر راق دون الهبوط بالمستوى أو الدخول بالرمزية، فوجدت أن أنسب شيء هو الدخول في تفاصيل حياة الناس والحديث عن همومهم ومشكلاتهم".
رغم أن التجارب المسرحية السورية التي سبقت مسرح "الشوك" أو تزامنت معها أو تلتها بقليل (فترة الثمانينيات)، كانت توصف بالشعبية، ومن ضمنها تجربة مسرح "الشوك" بحد نفسها، إلا أنها كانت مقبولة بالنسبة للمتلقي السوري، كونها كانت أفضل الخيارات المتاحة في ذلك الوقت، وقد اعتمدت على التنوع من حيث خلفيات الممثلين والعناصر، وإن كانت مركزيتها دمشق.
لكن تجربة أخرى ظهرت في نهاية التسعينيات بعيداً عن دمشق، في حلب، على يد همام حوت الذي أسس فرقة "المهندسين المتحدين"، قوامها عدد من الهواة، بعضهم مهندسون، وجميعهم من مدينة حلب.
ورغم أن فرقة "المهندسين المتحدين" وما تنتجه من محتوى مسرحي لم يتم تصنيفه حقيقة، إلّا أنه يندرج تحت إطار المسرح الشعبي بشكل أو بآخر، لكن هذا النوع الذي قدمه حوت في ذلك الوقت، انحدر بنوعية المسرح السوري إلى القاع، باعتماده على التهريج وافتقاره إلى الموقف الكوميدي، وقد انتقل هذا المسرح في وقت من الأوقات من حلب إلى دمشق بدعم من السلطة، التي وجدت فيه مساحة للنقد الموجه (للحكومة وليس النظام) تحت سقفها وأنظارها وبما تسمح به.
حالة الابتذال التي شكلها المسرح الذي قدمه همام حوت بما تحمله من سوقية المفردات وحتى الكثير من الفصول والمشاهد انتهت مع خروج همام حوت من سورية، واتخاذه موقفاً إلى جانب الثورة، مع تقديمه اعتذارات متكررة -بشكل مباشر أو غير مباشر- في أكثر من منبر على الشيء الذي كان يقدمه (ربما على مستوى المحتوى والأداء أو أحدهما).
يبدو أن الممثل محمد خير الجراح يريد أن يملأ هذا الفراغ من جديد، بعد أن وجد الساحة قد خلت له، فقد دخل الجراح مع فريق من الممثلين الشباب يخلو من المشاهير أو النجوم، في مرحلة التحضيرات الأخيرة لمسرحية "سلطان زمانه"، من بطولته وإخراجه وتأليف سعيد حناوي، بشراكة مع المنتج أسامة سويد، ليكون الاتفاق بين سويد والجراح على تأسيس فرقة "مسرح سوريا" التي وصفت بأنها "تجمع نقابي شُكّل تحت رعاية ووصاية نقابة الفنانين"، كما نقل موقع "بوسطة" المختص بأخبار الفن في سورية.
أخرج محمد خير جراح قبل فترة عملين مسرحيين في حلب، وبحسب متابعين لم يلقيا استحسان الجمهور. يقول الجراح للموقع ذاته في معرض حديثه حول التحضير للعمل الأول للفرقة إن "المسرحية جاءت محاولةً لإعادة إحياء المسرح الشعبي الذي غاب عن الخشبة السورية لسنوات طويلة".
يبدو أن المحتوى الذي ستقدمه الفرقة سيكون أداة "التنفيس" الجديدة بيد النظام الذي يواليه الجراح ويقف إلى جانبه، وهذا باعتراف مؤلف المسرحية سعيد حناوي بحسب ما نقل موقع بوسطة عنه، مشيراً إلى أن "الهدف الذي جمع أصحاب المشروع هو حاجة الجمهور اليوم للابتعاد عن أجواء الدمار والخراب التي سادت المشهد السوري لسنوات طويلة، وسيطرت على عناوين نشرات الأخبار، وكذلك مواضيع وحكايات الفن بكافة أشكاله، والمسرح الشعبي يحقق هذا الغرض كونه يلامس كافة فئات المجتمع السوري على اختلاف الأصعدة، بنمط كوميدي يخاطب العقل بعيداً عن التراجيديا والعواطف، وسيطرح ضمن إطار سهرة عائلية تلامس هموم المواطن السوري بكافة فئاته العمرية من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعاطفية"، معقباً: "هو بمثابة متنفس وبدي الناس بعد العرض يقولوا... خيييي فشولنا خلقنا".
"العربي الجديد" استقصت آراء بعض الاختصاصيين والمسرحيين السوريين بهذه الخطوة، وكانت البداية مع الممثل المسرحي بسام داود الذي رفض الحكم على مقارنة ما سيقدمه محمد خير الجراح وفرقته بما قدمه سابقاً همام حوت قبل أن يشاهد العروض، معتبراً أنه "من المبكر الحكم فيما إذا الجراح سيقدم شيئاً أفضل أو أسوأ من حوت".
لكن داود تحدث عن فكرة المسرح الشعبي في سورية عامة، حين أشار إلى أن "همام حوت وغيره من الذين قدموا مسرحاً شعبياً، أو ما يسمى اصطلاحاً مسرحاً تجارياً، ومع أني أفضل تسمية المسرح الشعبي، قدموا نوعاً من المسرح مطلوباً وضرورياً، لكن التجارب مع الزمن -وللأسف- تنحدر بالمستوى ولا تتطور، ويمكن القول إن تجارب الماغوط ونهاد قلعي ودريد لحام هي تجارب مسرح شعبي، لكن هل يمكن مقارنتها بمستوى عروض أو تجربة همام حوت؟ للأسف كل شيء يستمر بالانحدار".
وعند استفهامنا من داود عما إذا كان يقصد أن تجربة المسرح التي قدمها همام حوت قد جعلت المسرح السوري بالعموم والشعبي على وجه الخصوص في مستوى متدنٍ نسبياً، أجاب: "أنا لا أقصد ذلك فعلاً، وما أريد قوله إن كل التجارب قد هبط مستواها ككل شيء في البلد، ولا أحمل همام مسؤولية انحدار مستوى المسرح الشعبي، لأن همام كان جزءاً من الصورة وليس الصورة بكاملها، ولكي نكون واقعيين؛ يمكن القول إن المسؤولية يتحملها طرفان، الأول، السلطة وغياب دعم الجانب الثقافي، والثاني، الفنانون المسرحيون الذين يحملون فكراً وابتعدوا عن المسرح الشعبي لأسباب نخبوية".
اقــرأ أيضاً
وبالعودة لموضوع المسرحية التي سيقدمها محمد خير الجراح أو الفرقة التي شكلها، فيرى بلبل أن "كل ما يقدم على خشبة المسرح أمام الجمهور هو مسرح، ولا نريد الحديث هنا بطريقة تعسفية أن هذا مسرح وذاك ليس مسرحاً، نحن لسنا بهذا الصدد، لكن الذي يمكن تقييمه هو مدى أهمية هذا العمل أو لا، ولأي مقدار يمكن تقييمه فناً أو لا، وإلى أي حد يلامس هموم الناس وإلى أي حد يمكن أن يكون هراء، وتقييمنا للعمل الذي سيقدمه الجراح يندرج ضمن هذا الإطار، فالمقياس هو تفاعل الجمهور ولا سيما -وكما قرأت عن العمل- أنه يريد أن يُخرج الناس من أجواء الحرب، وهذه أسهل طريقة لكي تهرب من التطرق إلى ما يجري حقيقة في سورية، كون الجراح كشخص لصيق بالسلطة فهو غير قادر أن ينقد أي شيء في عمق السلطة، ربما سيكون من المسموح له أن ينقد ظواهر فساد وغيرها، ولكن بالنهاية تتوج الحبكة على أن (السيد الرئيس) هو الذي يحارب هذا الفساد، وبالتالي عدنا إلى ذات الإطار وعاد (بوق السلطة)، وبالنهاية المعيار لأي عرض مسرحي في العالم هو الجمهور، فهل سيأتي الجمهور ليحضر؟ وربما يأتي في أول العروض ويشاهد، كون محمد خير الجراح هو (أبو بدر) في باب الحارة كما التصقت هذه الشخصية في أذهان الناس، وسيتابع من باب الفضول ماذا سيقدم، وبعد العروض الأولى سيكون الحكم للجمهور فيما إذا كان سيستمر بالحضور أو لا، فالجمهور والجمهور السوري تحديداً لم يعد من السهل أن تضحك عليه، من خلال طرح الروايات المختلفة التي يروجها النظام، وحتى الجمهور الموالي لم يعد يقتنع بهذا الكلام، فما بالك بباقي الشرائح وهي موجودة في سورية مع صمتها أو رماديتها، وبالتالي الفارق سيكون إلى أي مدى سيلامس هموم هذا الجمهور أو لا، وليس تقييمي أو تقييم النقاد".
هاجم الناقد والممثل السوري عبد القادر المنلا الفكرة من أساسها، حين أشار في حديث إلى "العربي الجديد" إلى أن "الحديث عن مسرح شعبي في سورية في هذا الوقت بالذات، يندرج ضمن سلسلة الصفاقة الإعلامية التي يواجه بها النظام ثورة السوريين، فأول سؤال يتبادر إلى الذهن: أي شعب هو المقصود؟ وأين هو الشعب أصلاً؟ وما هو مفهوم الشعب بالنسبة للنظام السوري وأتباعه؟ من المعروف أن المسرح هو احتياج ثقافي يأتي لاحقاً في الأهمية والتسلسل للاحتياجات الأساسية الأخرى، والنظام السياسي الذي لا يعترف بحق الشعب في الحياة، لن يأبه بحقه الثقافي بالتأكيد، ومن هنا تتضح معالم كذب المشروع من أساسه".
وأضاف: "بالطبع، فإن علاقة محمد خير الجراح مع الأجهزة الأمنية تقوّت في السنوات الأخيرة على حساب ذات الشعب الذي يزعم الجراح أنه يريد صناعة مسرح خصيصاً له، وبات الإشراف المباشر للأجهزة الأمنية على عمل الفنان لا يخفى على أحد، والجراح واحد من أولئك الفنانين الذين أجروا أنفسهم للنظام وارتضوا أن يكونوا جزءاً من ماكينته الإعلامية التي تبرر إبادة الشعب بل وتطالب بتلك الإبادة، فأية كذبة وأي وقاحة تلك التي تدعي تأسيس فرقة مسرحية باسم المسرح الشعبي، ولا يزال الملايين من السوريين يعيشون في الخيام، وملايين أخرى تعيش مرارة اللجوء والحرمان من زيارة بلدها حتى ولو لسبب إنساني بحت كوفاة أب أو شقيق".
اقــرأ أيضاً
رغم أن التجارب المسرحية السورية التي سبقت مسرح "الشوك" أو تزامنت معها أو تلتها بقليل (فترة الثمانينيات)، كانت توصف بالشعبية، ومن ضمنها تجربة مسرح "الشوك" بحد نفسها، إلا أنها كانت مقبولة بالنسبة للمتلقي السوري، كونها كانت أفضل الخيارات المتاحة في ذلك الوقت، وقد اعتمدت على التنوع من حيث خلفيات الممثلين والعناصر، وإن كانت مركزيتها دمشق.
لكن تجربة أخرى ظهرت في نهاية التسعينيات بعيداً عن دمشق، في حلب، على يد همام حوت الذي أسس فرقة "المهندسين المتحدين"، قوامها عدد من الهواة، بعضهم مهندسون، وجميعهم من مدينة حلب.
ورغم أن فرقة "المهندسين المتحدين" وما تنتجه من محتوى مسرحي لم يتم تصنيفه حقيقة، إلّا أنه يندرج تحت إطار المسرح الشعبي بشكل أو بآخر، لكن هذا النوع الذي قدمه حوت في ذلك الوقت، انحدر بنوعية المسرح السوري إلى القاع، باعتماده على التهريج وافتقاره إلى الموقف الكوميدي، وقد انتقل هذا المسرح في وقت من الأوقات من حلب إلى دمشق بدعم من السلطة، التي وجدت فيه مساحة للنقد الموجه (للحكومة وليس النظام) تحت سقفها وأنظارها وبما تسمح به.
حالة الابتذال التي شكلها المسرح الذي قدمه همام حوت بما تحمله من سوقية المفردات وحتى الكثير من الفصول والمشاهد انتهت مع خروج همام حوت من سورية، واتخاذه موقفاً إلى جانب الثورة، مع تقديمه اعتذارات متكررة -بشكل مباشر أو غير مباشر- في أكثر من منبر على الشيء الذي كان يقدمه (ربما على مستوى المحتوى والأداء أو أحدهما).
يبدو أن الممثل محمد خير الجراح يريد أن يملأ هذا الفراغ من جديد، بعد أن وجد الساحة قد خلت له، فقد دخل الجراح مع فريق من الممثلين الشباب يخلو من المشاهير أو النجوم، في مرحلة التحضيرات الأخيرة لمسرحية "سلطان زمانه"، من بطولته وإخراجه وتأليف سعيد حناوي، بشراكة مع المنتج أسامة سويد، ليكون الاتفاق بين سويد والجراح على تأسيس فرقة "مسرح سوريا" التي وصفت بأنها "تجمع نقابي شُكّل تحت رعاية ووصاية نقابة الفنانين"، كما نقل موقع "بوسطة" المختص بأخبار الفن في سورية.
يبدو أن المحتوى الذي ستقدمه الفرقة سيكون أداة "التنفيس" الجديدة بيد النظام الذي يواليه الجراح ويقف إلى جانبه، وهذا باعتراف مؤلف المسرحية سعيد حناوي بحسب ما نقل موقع بوسطة عنه، مشيراً إلى أن "الهدف الذي جمع أصحاب المشروع هو حاجة الجمهور اليوم للابتعاد عن أجواء الدمار والخراب التي سادت المشهد السوري لسنوات طويلة، وسيطرت على عناوين نشرات الأخبار، وكذلك مواضيع وحكايات الفن بكافة أشكاله، والمسرح الشعبي يحقق هذا الغرض كونه يلامس كافة فئات المجتمع السوري على اختلاف الأصعدة، بنمط كوميدي يخاطب العقل بعيداً عن التراجيديا والعواطف، وسيطرح ضمن إطار سهرة عائلية تلامس هموم المواطن السوري بكافة فئاته العمرية من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعاطفية"، معقباً: "هو بمثابة متنفس وبدي الناس بعد العرض يقولوا... خيييي فشولنا خلقنا".
"العربي الجديد" استقصت آراء بعض الاختصاصيين والمسرحيين السوريين بهذه الخطوة، وكانت البداية مع الممثل المسرحي بسام داود الذي رفض الحكم على مقارنة ما سيقدمه محمد خير الجراح وفرقته بما قدمه سابقاً همام حوت قبل أن يشاهد العروض، معتبراً أنه "من المبكر الحكم فيما إذا الجراح سيقدم شيئاً أفضل أو أسوأ من حوت".
لكن داود تحدث عن فكرة المسرح الشعبي في سورية عامة، حين أشار إلى أن "همام حوت وغيره من الذين قدموا مسرحاً شعبياً، أو ما يسمى اصطلاحاً مسرحاً تجارياً، ومع أني أفضل تسمية المسرح الشعبي، قدموا نوعاً من المسرح مطلوباً وضرورياً، لكن التجارب مع الزمن -وللأسف- تنحدر بالمستوى ولا تتطور، ويمكن القول إن تجارب الماغوط ونهاد قلعي ودريد لحام هي تجارب مسرح شعبي، لكن هل يمكن مقارنتها بمستوى عروض أو تجربة همام حوت؟ للأسف كل شيء يستمر بالانحدار".
قبل أن يدخل في تفاصيل الفرقة المسرحية الجديدة وباكورة أعمالها، يرى الفنان والمسرحي نوار بلبل، أنه "ومنذ السبعينيات والثمانينيات كان هذا النوع من المسرح الذي يوصف بالشعبي وأحب أن أصفه بالمسرح التجاري، غارقاً بالتفاهة، وبالأخص خلال فترة الثمانينيات، وهذه فترة القمع الكبير، التي شهدت تفكك المسرح السوري بالعموم، مع تسليط الضوء على هذا النوع من المسرح التجاري، وقد أعطي مساحة للكلام، طبعاً بكل ما يحمله من هراء وليس من نقد، كان ذلك في دمشق، فيما كان ذات الشيء يتم في حلب خلال التسعينيات، وهذه الفترة هي فترة انحدار المسرح السوري بالعموم. بالمقابل اتجهت (مديرية المسارح والموسيقى) لتقديم نوع أطلق عليه (المسرح الملتزم) مع أنني لا أتفق مع هذا الاصطلاح، ففي المسرح إما أن تقدم مسرحاً أو لا تفعل، لا يوجد ملتزم أو غير ملتزم، وهذا النوع من المسرح مفلتر ومعقم وبعيد عن هموم الناس والشارع، وهذا ما جعل الناس تتجه إلى المسرح التجاري المليء بالمواضيع التافهة والكلام البذيء والمجاني، وبعيداً عن المسرح الشعبي أو ضمنه في آن، كان هناك مسرح دريد لحام الذي يعد مسرحاً تنفيسياً، والدليل أننا إذا نظرنا إلى موقع دريد لحام اليوم على خارطة المشهد السوري بالعموم، فسنجده من أشد وأعتى المدافعين عن نظام الأسد، وبالنهاية وصلنا إلى همام حوت وما قدمه وهو نسخة مشوهة عن دريد لحام، مع احترامنا لموقفه من الثورة، وبعد أن تبرأ من التاريخ السابق لما قدمه".
هاجم الناقد والممثل السوري عبد القادر المنلا الفكرة من أساسها، حين أشار في حديث إلى "العربي الجديد" إلى أن "الحديث عن مسرح شعبي في سورية في هذا الوقت بالذات، يندرج ضمن سلسلة الصفاقة الإعلامية التي يواجه بها النظام ثورة السوريين، فأول سؤال يتبادر إلى الذهن: أي شعب هو المقصود؟ وأين هو الشعب أصلاً؟ وما هو مفهوم الشعب بالنسبة للنظام السوري وأتباعه؟ من المعروف أن المسرح هو احتياج ثقافي يأتي لاحقاً في الأهمية والتسلسل للاحتياجات الأساسية الأخرى، والنظام السياسي الذي لا يعترف بحق الشعب في الحياة، لن يأبه بحقه الثقافي بالتأكيد، ومن هنا تتضح معالم كذب المشروع من أساسه".
يشير المنلا إلى أنه "ومن ناحية أخرى، وربما هذا هو الأهم، فإن الجراح هو وريث لا يختلف عن بشار الأسد، حيث سطا على تركة والده الفنان عبد الوهاب الجراح، والجراح الأب هو في الحقيقة أحد مؤسسي مسرح الشعب في الستينيات من القرن الماضي، وقد بدأ الجراح الابن منذ سنوات ما قبل الثورة بالاستيلاء على تركة أبيه وسرقة ذات الكركترات والشخصيات والأفكار التي قدمها والده، وهو يحاول قسراً أن يأخذ ذات المكانة التي تمتع بها والده في الساحة الفنية، باختصار إنه نوع من ممارسة الوراثة، وتأكيد لهذا المفهوم الذي تحاول المخابرات السورية تطبيع وجوده ليناسب فكرة بقاء بشار الأسد في السلطة. لقد لعب الجراح الابن دوراً كبيراً في تمييع الحقائق والانتصار لرواية النظام من خلال مقابلاته الإذاعية والتلفزيونية المكثفة التي بدأت مع قيام الثورة ولم تتوقف حتى الآن، وكذلك من خلال مشاركاته الفنية وبرامجه على قناة الدنيا، ولم يكن لذلك كله إلا هدف واحد، وهو الانتصار لرواية النظام، واليوم يحاول الجراح أيضاً مد حبل جديد يربطه بالسلطة ليقول ما تريد من خلال ملء الفراغ المسرحي، فضلاً عن الانتصار لمصالحه الخاصة ومكاسبه من خلال هذا المشروع، وإن دققنا فسنجد أن المسرح والشعب هما آخر ما يفكر به الجراح، وإنما هي الرسالة السلطوية التي يوظف كل المصطلحات من أجل خدمتها على حساب دماء الملايين التي سالت ضد رواية النظام، وعلى حساب مئات الآلاف ممن لا يزالون يموتون يومياً في سجون النظام، وهذا الواقع يتنافى تماماً مع أي حالة احتياج لمسرح شعبي، وينبغي على الجراح الكف عن المتاجرة بدماء الناس، وهي الحدود الدنيا التي تربط الفنان بآدميته وبشعبه".