يستشهد حكوميون من فريق الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو بدول كثيرة سبق أن نقلت عواصمها من مدينة إلى أخرى، البرازيل، على اعتبارها نموذجاً جيداً يدعم الفكرة التي تقول إن على العاصمة أن تتوسّط البلاد. وذلك في إطار دعمهم لخطة الرئيس بنقل العاصمة الإندونيسية من جاكارتا إلى كاليمانتان في جزيرة بورنيو، أكبر جزيرة في آسيا، وثالث أكبر جزر العالم.
العاصمة التي حدّد مكانها الرئيس الإندونيسي، ستتوسط الأرخبيل المكوّن من 17 ألف جزيرة ويمتد على نحو 5000 كيلومتر من أطرافه الغربية إلى الشرقية. وتقسّم سيادة هذه الجزيرة على ثلاث دول هي إلى جانب إندونيسيا، ماليزيا، وبروناي.
العاصمة الجديدة آمنة من التسونامي والزلازل والفيضانات، كما أنها ستخفف الضغط على جاكارتا، وجزيرة جاوة التي يقطنها 60 في المائة من سكان البلاد. وسيكون تدشين مدينة كبرى على بعد أكثر من ألف كيلومتر من جاكارتا توزيعاً عادلاً للتنمية والثروات، كما تشير خطة الرئيس.
بيد أن هناك من ينظر بعين أخرى إلى الحرائق التي اشتعلت في غابات الأمازون، ويرى أن نموذج برازيليا ليس مبعث تفاؤل. فالغابة إن لم تحترق لظروف مناخية، يجرى تخريبها بادعاء تمدينها. لذلك، انتقد مناهضو المشروع رئيسهم جوكو ويدودو الذي دشن ولايته الثانية في مايو/أيار الماضي بطلب نقل العاصمة، واقترح الساخرون أن يكون اسم العاصمة الجديدة جوكوغراد، نسبة إلى ستالينغراد، أو "سانت جوكوبرغ" (سانت بطرسبرغ) في إشارة إلى طموحات الرئيس الضخمة، بحسب "فرانس برس".
واستند تحذير الخبراء البيئيين إلى أن نقل العاصمة لن يكون حلاً للكوارث التي تواجه جاكارتا، المدينة الضخمة، وقد يؤدي إلى أزمة بيئية جديدة في غابات بورنيو، مشكلاً خطراً على حياة حيوانات مهددة بالانقراض. إذ ستكون العاصمة قرب محمية رئيسية، تعد موئلاً فريداً لحيوانات مثل قردة الأورانغوتان.
فهذه الغابات لم تسلم من مئات شركات التعدين ومصانع زيت النخيل، إلا أن تشييد عاصمة سيضيف عاملاً أشد عنفاً، ما يعني حكماً، تجريفاً هائلاً للأشجار وتجفيفاً للمستنقعات، وتلويثاً للأرض، وقبل كل ذلك هروباً من أزمات جاكارتا، بدل حلها، حسب ما يرى المناهضون.
أما الصوت الرسمي فقد بذل جملة من الوعود بألا تترك جاكارتا لمصيرها من تلوث وازدحام، واحتمال غرق ثلث المدينة عام 2050 في ظلّ الوتيرة الحالية التي تسرعها ظاهرة التغير المناخي.
فهذا هو وزير التخطيط الإندونيسي يتعهّد بإنفاق أربعين مليار دولار خلال العقد المقبل لإنقاذ جاكارتا التي تغرق ببطء، وفق رويترز.
إن المدافعين يتذكرون بقوة أن نقل العاصمة ليس فكرة جديدة، إذ بدأ التفكير بها منذ الرئيس سوكارنو المؤسس، أول الرؤساء عقب جلاء الاستعمار الهولندي عام 1945، والذي كانت لديه الرغبة في تأسيس العاصمة في كاليمانتان.
ولا تغيب جاكارتا ذات العشرة ملايين نسمة عن نداءات منظمة الصحة العالمية لجهة ضبط التلوث المتجاوز للمعايير الدولية. كما يتحدث الخبراء عن تخطيط سيئ للمدينة، وازدحام سيارات خانق، وغياب شبكة إمدادات المياه عن نسبة عالية من السكان، واستخدام جائر للمياه الجوفية، ما يؤدي إلى انهيار أحياء بكاملها.
وبحسب الرئيس الإندونيسي، فإن موقع العاصمة الجديد اختير أولاً "لأنه ليس معرضاً كثيراً للكوارث الطبيعية" مثل الفيضانات والهزات الأرضية وموجات تسونامي وثوران البراكين، علماً بأن جزءاً كبيراً من الأرخبيل الإندونيسي يقع على حزام نار المحيط الهادئ.
وقد تلقى السكان الأصليون في بورنيو البالغ عددهم حوالي عشرين مليون نسمة وعوداً بتوفير فرص عمل وتحسين أوضاعهم الاقتصادية، وبأن الغابات لن تتأثر.
وعليه، تحدد الخطة العام المقبل موعداً للعمل، ومن المتوقع أن يبدأ حوالي 1.5 مليون موظف مدني الانتقال إليها بحلول عام 2024، وستكون كلفة هذه العملية 466 تريليون روبية (33 بليون دولار).
جاكارتا تغرق حالياً بنسبة تصل إلى 15 سنتمتراً سنوياً وبحلول عام 2050، ستغمر المياه 95% من شمالها، والناطق باسم الشبكة البيئية الإندونيسية "والهي" زينزي سوهادي يختصر الأمر، قائلاً إن كاليمانتان ترزح أصلاً تحت ضغط بيئي ثقيل، فإذا ساءت الحال "هل سينقلون العاصمة إلى مكان جديد مرة أخرى؟".