لم تتخلّ السينما منذ بداياتها عن فكرة الاقتباس من روائع الأدب العالمي. فالقصة الجاهزة تحمل عوامل نجاحها مقدماً، إذ لا ينقصها سوى مخرج يمتلِكُ حسّاً إبداعيّاً يقتنص من الرواية الخطوط التي تناسب الشاشة الفضيّة. وعلى كثرة الروايات العالمية التي عرفت طريقها إلى السينما، فإن بعضاً من تلك الروايات قد أخذ فرصتها الدرامية أكثر من مرة. ولم تكن السينما المصرية بدعاً في ذلك. وفيما يأتي طائفة من أشهر روائع الأدب العالمي التي وجدت حظّها بقوة على شاشة السينما.
"غادة الكاميليا" 1848
تعد "غادة الكاميليا" للكاتب الفرنسي ألكساندر دوماس الابن (1824-1895) واحدة من أكثر الأعمال الأدبية رواجاً، من حيث ترجمتها إلى لغات عديدة، والاقتباس من فكرتها العامة، وتحويلها لأعمال درامية؛ مسرحية وسينمائية بعدة لغات. تدور فكرة الرواية حول النفاق الاجتماعي، والتشدُّق الزائف بالأخلاق؛ فالوجهاء الذين يحملون راية الفضيلة ربما لا ترقى عواطفهم وأخلاقهم الحقيقية لعواطف عاهرة وأخلاق محظية، يتوددون إليها سراً ويلفظون سيرتها جهراً، مثل "مارغريت" التي أحبت بشرف وماتت بشرف حتى قال عنها القس الذي شهد احتضارها: "لقد عاشت عاهرة وستموت قديسة".
شهدت باريس أول عرض مسرحي مأخوذ عن الرواية سنة 1852، ثم انطلقت سلسلة من العروض في العديد من مدن أوروبا الكبرى، وأثناء ذلك كانت الفرنسية سارة برنار (1844-1923) من أكثر من قدم دور مارغريت على المسرح قبل أن تقوم بنفس الدور في أول عمل سينمائي في 1912. بينما أشهر المعالجات المعاصرة للرواية هي الفيلم الأسترالي الأميركي "الطاحونة الحمراء" Moulin Rouge 2001، لنيكول كيدمان، والحاصل على جائزتي أوسكار وثلاث جوائز "غولدن غلوب".
أما السينما المصرية فقد قدمت عدة نسخ من رواية "غادة الكاميليا". ففي 1935 أخرج ماريو فولبي فيلم "الغندورة" بطولة منيرة المهدية وأحمد علام. وفي 1942 أخرج توجو مزراحي فيلماً بعنوان "ليلى" احتفى به بعض النقاد واعتبروه من أفضل مائة فيلم في السينما المصرية، وقام ببطولته ليلى مراد وحسين صدقي. ثم جاء فيلم "عهد الهوى" 1955 لأحمد بدر خان وبطولة مريم فخر الدين وفريد الأطرش، و"رجال بلا ملامح" 1972 من إخراج محمود ذو الفقار وبطولة نادية لطفي وصلاح ذو الفقار، و"عاشق الروح" 1973 لأحمد ضياء الدين وبطولة تحية كاريوكا وكمال الشناوي، و"السكاكيني" 1986 لحسام الدين مصطفى وبطولة معالي زايد ونور الشريف، و"حافية على جسر الذهب" 1976 لعاطف سالم وبطولة ميرفت أمين وحسين فهمي.
البؤساء 1862
قيل عن "البؤساء" إنها أعظم روايات القرن التاسع عشر. وقد لقي المبدع الفرنسي فيكتور هوغو (1802-1885) حسداً كبيراً من أدباء عصره بسبب هذا العمل المتكامل الذي تلقفه عالم التمثيل والدراما مبكراً، ويحفظ موقع يوتيوب العديد من الأعمال السينمائية القديمة المأخوذة عن الرواية، ومعاناة بطلها المحبوب "جان فالجان" الذي أودع السجن لسنوات طوال من أجل رغيف خبزٍ، سرقه من أجل أطفال شقيقته الذين يبكون من الجوع، ثم يخرج ليبدأ حياة جديدة ينتحل فيها شخصية أخرى، ويشتهر بأعمال الخير، ويتبنى فتاةً يتيمة يجتهد في حمايتها عبر سلسلة من الأزمات المركبة والمطاردات بينه وبين ماضيه الذي يتمثل دائماً في صورة الشرطي القاسي "خافير". وقد عرفت السينما المصرية معالجتين لهذه الرواية بنفس الاسم، الأولى كانت من إخراج كمال سليم سنة 1943، وقام ببطولتها عباس فارس وأمينة رزق. ومعالجة أخرى لعاطف سالم سنة 1978 قام ببطولتها فريد شوقي وليلى علوي.
الإخوة كرامازوف 1880
من غرائب الاقتباسات السينمائية للروايات العالمية ما حدث في فيلم "الإخوة الأعداء" 1974 لحسام الدين مصطفى، بطولة نور الشريف ويحيى شاهين وحسين فهمي ومحيي إسماعيل، حيث إن الفيلم يطابق عنوانه رواية شهيرة جداً للروائي اليوناني نيكوس كازانتزاكيس (1883-1857) مؤلف "زوربا اليوناني"، كما أن هناك رواية عنوانها "كين وأبيل" أو "قابيل وهابيل" لكن ترجمتها العربية أيضاً جاءت بعنوان "الإخوة الأعداء" 1979 وهي للروائي الإنكليزي المعاصر جيفري آرتشر.
بينما الفيلم المصري "الإخوة الأعداء" مقتبس من رواية أخرى هي "الإخوة كرامازوف" 1880 للأديب الروسي فيودور دوستويفسكي (1821-1881). بل الأصوب، وفقاً لبعض النقاد، أن يقال إن الفيلم المصري مأخوذ من النسخة الروسية التي أخرجها إيفان بييريف 1969. تدور الرواية حول العلاقات السيئة بين الأب كرامازوف الذي لديه أربعة أبناء لا يحبهم، ولا يحب كل منهم الآخر، حيث لا تربطهم سوى علاقة المصلحة. ومن خلال هذه العلاقات يعالج دوستوفيسكي العديد من القضايا الاجتماعية والدينية والسياسية، كالروابط العائلية، وتربية الأطفال، والمسؤولية الاجتماعية، والعلاقة بين الدولة والكنيسة.