لا تزال السلطات الأميركية ومنظمو "مهرجان أستروورلد" الموسيقي في تكساس يحاولون فهم ما حصل في الساعة التاسعة والنصف مساء الجمعة الماضي؛ إذ قتل 9 أشخاص تتراوح أعمارهم بين 14 و27 عاماً، وأصيب المئات بجروح، ونقل 25 شخصاً إلى المستشفى، أصغرهم في العاشرة من العمر. تقول السلطات إن تدافعاً جماهيرياً حصل، أثناء أداء مغني الراب ترافيس سكوت إحدى أغنياته، علماً أن نحو 50 ألف شخص حضروا المهرجان الذي كانت مقررة إقامته على مدى يومين.
تحقيق جنائي فتح في الحادث، وسط تقارير غير مؤكدة تفيد بأن واحداً من الجمهور "كان يحقن آخرين بالمخدرات". إدارة الإطفاء أفادت بأن 11 من الذين نقلوا إلى المستشفى كانوا يعانون من سكتة قلبية، ولم يتضح إلى الآن السبب. ووفقاً لوكالة "أسوشييتد برس" لم يلغَ الحفل إلا بعد 40 دقيقة من بدء التدافع. وقال الناقد الموسيقي جوي غيرا، لشبكة "سي أن أن"، إن ترافيس سكوت أوقف عرضه 3 أو 4 مرات حين لاحظ حاجة بعض الحاضرين إلى المساعدة.
لكن سكوت الآن في عين العاصفة، بعدما وكّل بعض رواد "أستروورلد" محامين لتمثيلهم في الدعاوى القضائية ضده وضد شركة "لايف نيشن" وآخرين مرتبطين بتنظيم المهرجان. وما حصل أعاد تسليط الضوء على حفلات سابقة لسكوت، ففي 2017 شجع مغني الراب واحداً مِن الذين حضروا عرضه على القفز من شرفة الطابق الثاني في نيويورك. مجلة "رولينغ ستون" ذكرت أنه خلال العرض نفسه أصيب واحد من معجبي سكوت، واسمه كايل غرين، بالشلل، بعد دفعه من الطابق الثالث. عام 2015، ألقت شرطة شيكاغو القبض على ترافيس سكوت، في مهرجان "لولابالوتزا"، بعدما زُعم أنه شجع المعجبين على تخطي الحواجز الأمنية والصعود إلى المسرح، وفقاً لـ"رولينغ ستون". وأقر سكوت بأنه مذنب بسلوك غير منظم عام 2018، بسبب حادثة وقعت في حفل موسيقي في روجرز في ولاية أركنساس في 2017.
غرّد سكوت بعد ظهر السبت الماضي متعاطفاً مع الضحايا والمتضررين، وأشارت تقارير إلى أنه سيغطي تكاليف جنازات القتلى.
الحفلات الموسيقية الدموية ليست جديدة على الولايات المتحدة والعالم، فخلال الشهر الحالي قتل شخصان، إثر حادثة سقوط خلال حفل تكريمي في السويد لفرقة "آبّا" التي طرحت الجمعة الماضي ألبومها الأول بعد نحو 4 عقود على انفراط عقدها.
وقد يكون أكثر هذه الحوادث شهرة ذلك الذي حصل عام 1969، خلال حفل مجاني أقامته فرقة "رولينغ ستونز"، في "ألتامونت ريسواي بارك"، في كاليفورنيا، وحضره نحو 300 ألف شخص. الحدث شهد مواجهات عنيفة بين الجمهور وعناصر في نادي سائقي الدراجات النارية "ملائكة الجحيم" الذين كلفوا بتولي الأمن، بالإضافة إلى الفوضى في التنظيم وانتشار المخدرات. بحلول نهاية العرض، توفي أربعة أشخاص، من بينهم ميريديث هانتر البالغة من العمر 18 عاماً التي طعنها أحد أعضاء "ملائكة الجحيم"، وهي لحظة وثقت في الفيلم الوثائقي الشهير "غيمّي شلتر" Gimme Shelter (1970). قُتل اثنان آخران بحادثة صدم بسيارة وهروب سائقها، بينما غرق آخر في قناة بينما كان تحت تأثير مخدر "إل إس دي".
وفي ديسمبر/كانون الأول 1979، قتل 11 شخصاً بتدافع في مهرجان لفرقة "ذا هو"، في سينسيناتي. الحفل استمر كما كان مقرراً، ولم تُبلغ الفرقة بما حصل إلا بعد انتهائه.
"وودستوك" 1999 وُصف بعرض مرعب للاعتداءات الجنسية والعنف والجرعات الزائدة من المخدرات وأعمال الشغب والحرائق. وواحد من المعجبين الذي سقط في حفرة، أثناء عرض لفرقة "ميتاليكا"، توفي بعد أيام. وتعرض المنظمون لفيضان من الدعاوى القضائية في الأسابيع والأشهر التي أعقبت الحدث.
أما في "مهرجان روسكيلد" عام 2000، فقتل 9 أشخاص خلال أداء فرقة "بيرل جام" التي أوقفت العرض بعد 45 دقيقة، عندما علم أعضاؤها بما كان يحدث. ومنذ ذلك الحادث، رفضت الفرقة الأداء في أي مهرجانات لم تضع ترتيبات أمنية مفصلة في عقودها.
وفي أغسطس/آب عام 2011، لقي سبعة أشخاص مصرعهم، وأصيب 58 آخرون، عندما ضربت الرياح القوية السقالات المعدنية ومعدات المسرح، وسط حشد مزدحم في إنديانابوليس، حيث كان الجمهور ينتظر عرضاً في الهواء الطلق للثنائي "شوغرلاند". وجد تقريران استقصائيان لاحقاً أن السقالات لم تكن مطابقة للمواصفات المطلوبة، وأن المنظمين لم تكن لديهم خطط طوارئ كافية. توصل محامون يمثلون الناجين المصابين وأفراد أسر الضحايا إلى تسوية قيمتها 50 مليون دولار أميركي مع 19 شركة عام 2014.
وهذه الحوادث ليست بعيدة من العالم العربي، فعام 2009 قتل 11 شخصاً، معظمهم من النساء والأطفال، وجرح نحو 30 آخرين، في العاصمة المغربية الرباط، بتدافع خلال حفلة للمغني عبد العزيز ستاتي، ضمن فعاليات مهرجان "موازين".
وقبلها بعامين، قتل 7 أشخاص بتدافع في حفل لنجوم من "ستار أكاديمي"، في مدينة صفاقس التونسية، في مسرح الهواء الطلق في سيدي منصور. كانت مجموعة "ستار أكاديمي" تضم حينها تسعة مغنين يافعين من دول عربية، بينهم تونسية تدعى مروى صغير من صفاقس. وقال شهود عيان حينها إن التدافع بين الجمهور بدأ بدخول النجوم، لكنه زاد حين بدأت التونسية مروى صغير وصلتها الغنائية، قبل أن يقطع الحفل بعدما عمت الفوضى. وأفادت الإذاعة التونسية الخاصة "موزاييك" حينها، بأن أعمار الضحايا تراوحت بين 12 و21 عاماً.