بثت منصة نتفليكس، أخيراً، الموسم الثالث من مسلسل "أكاديمية المظلة" (The Umbrella Academy)، الذي نال إعجاب الكثيرين في موسميه الأولين، كونه يعيد تقديم صورة الأبطال الخارقين، بعيداً عن نظافة أبطال "مارفل"، وسخط مسلسل "الفتيان" The Boys، ووحشية مسلسل الكرتون "لا يقهر" (Invincible). واللافت في هذا الموسم، وبعد كثير من مغامرات السفر عبر الزمن، يجد الأخوة في "أكاديمية المظلة" أنفسهم أمام أسرة جديدة؛ أكاديمية طائر الدوري (The Sparrow Academy) وهم أشقاء آخرون من خط زمني مواز، يختلفون عن أبطالنا كلياً بالشكل الظاهري، لكنّهم يتشابهون في مشاكلهم العائلية.
المواجهة بين العائلتين، ومن دون أن نخوض في التفاصيل التي قد تكشف عن حكاية المسلسل لمن لم يشاهده، تفضح لنا التشابه في منظومة الأسرة، سواء كانت شديدة الانضباط والعقلانية، كما في افراد أكاديمية طائر الدوري، أو متفككة هشة تجمعها صدمات الطفولة، كما نعرف من تاريخ الأخوة في أكاديمية المظلة. وكأنّه لطالما هناك "أسرة"، هناك مشكلات، وصراعات داخليّة، وأب صارم، ومؤامرة لاستغلال الأبناء والبنات بسبب قواهم الخارقة.
لا يختلف هذا الموسم عما سبقه في ما يخص التهديد الكبير، أو ذاك الحدث الذي سينفي كل شيء، فنهاية العالم قادمة دوماً، والأسرتان تحاولان تفاديها وإنقاذ البشرية، بل والكون، لكن لكل منهما أسلوبه. أما المواجهة بينهما أو التعاون، فيكشفان كلّ فرد على حقيقته، وطبيعة علاقته مع أسرته وذاته، خصوصاً حين نتحدث عن شخصية فانيا التي تحولت إلى فيكتور، في مقاربة لحياة الممثلة إلين بيج التي تلعب دور فانيا، وأصبحت الآن في الحياة الواقعية إليوت بيج. هذه التغيرات على الشاشة، وما خلفها، يتبناها المسلسل، وكأنه دعوة إلى التحرر من كلّ القيود السابقة، كي يكون كلّ شخص بالصورة التي يريد، من دون أيّ ضغوطات أو معوقات، حتى لو كان الأمر على حساب نهاية العالم.
يطرح المسلسل، بصورة غير مباشرة، وأحياناً مباشرة، سؤال: ما الذي يكوّن الفرد؟ الطبيعة أم التربية؟ المفارقة تتكرر طوال الحلقات، والتي في كل مرة نجد إجابة مختلفة عنها، في محاولة للإشارة إلى تعقيد الطبيعة البشريّة واستحالة ضبط هذه المفارقة، وكأن التحرك بين الثنائيتين (الطبيعة - الثقافة)، ومقاومة هيمنة واحدة على الأخرى هو ما يشكلنا كبشر. وهذا ما يتضح عند الحديث عن شخصية لوثر، الذي قضى معظم حياته على سطح القمر، فحين يواجه موضوع رغبته، يرى نفسه في حيرة، هل يحافظ على أسرته المضطربة؟ أم ينضم إلى الأسرة الجديدة التي تحوي من يحب ويحتفي أفرادها به؟
اللافت في هذا الموسم، وهو المشترك مع العديد من أفلام ومسلسلات الأبطال الخارقين الحالية، هو موضوعة الزمن والسفر عبره. وإن أردنا تقديم قراءة ثقافية نوعاً ما لهذه الموضوعة، نكتشف العناصر المشتركة الآتية: نهاية العالم قريبة جدا، بل مرئية، وهذا ما نراه متجسداً في ثقب أسود موجود في القبو، يحدق فيه الجميع، ويحاولون تفاديه، لكنه يبتلع العالم من دون أي رحمة.
يترافق ذلك مع الفشل في محاولات تغيير الماضي، وكأن النتيجة التي وصلنا إليها الآن في "عالمنا" حتمية. وسواء كنا جديين تجاهها أو ساخرين، لا بد من تفاديها وإنقاذ ما تبقى، فتوزيع اللوم وتبادل الاتهامات لن يغير حقيقة وجود ثقب أسود سيبتلع الجميع. وهنا المفارقة، تفادي النهاية أساسه صفاتنا كبشر، لا ما نمتلكه من قوى خارقة أو تكنولوجيا، فالأخيرة متغيرة وزائلة، وما سيبقى هو صراعنا البشري حول وجودنا وهو ما سينقذنا بالنهاية.
يحيل هذا الموسم إلى العديد من الأفلام والمسلسلات الأخرى، إذ يحضر The Matrix للأختين واتشاوسكي بوضوح، سواء عبر الأزياء، أو أسلوب إخراج مشاهد القتال. هناك أيضاً إحالات إلى فيلم The Shining، لستانلي كوبريك.
كذلك، يمكن تلمس حساسية هذا الموسم للهويات المختلفة، بصورة أدق ما بعد الهويات، عبر الغضب من الماضي، أو التصالح معه، أو محاولة إعادة تكوين الذات، في محاولة للإضاءة على مراحل تقبل الفرد لأناه الهوياتيّة الجديدة عبر الاعتراف، والمواجهة، والمصالحة، ثم التقبّل.