نسخة تاسعة من مهرجان يُقام في 5 مدن فلسطينية (القدس ورام الله وغزّة وبيت لحم وحيفا)، يُراد له أنْ يكون مرآة واسعة، تنعكس عليها بعض أحوال وأهوال وحكايات، مستلّة من بيئات عربية وغربية، ومُترجمة، بغالبيتها، إلى أفلامٍ سينمائية، تُثير متعاً مختلفة، رغم ما ترويه من مصائب وتفاصيل ومآزق.
نسخة تاسعة لـ"أيام فلسطين السينمائية"، تُقام بين 1 و7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، مُقدّمة 20 فيلماً روائياً طويلاً ووثائقياً، مُنتجة في عامي 2021 و2022، بينما تُقدّم مسابقة "أفلام طائر الشمس الفلسطيني" 4 وثاقيات و10 أفلام قصيرة، يحصل الفيلم الفائز في الأولى على 5 آلاف دولار أميركي، وفي الثانية على 3 آلاف دولار أميركي. هناك جائزة مالية بقيمة 10 آلاف دولار أميركي، وجوائز خدماتية في مرحلتي الإنتاج وما بعده، لمشروع فائز في مسابقة "أفلام طائر الشمس الفلسطيني للإنتاج".
عروض أفلام تترافق مع استعادة 4 أفلام عربية قديمة الإنتاج: "وطن الأسلاك الشائكة" (1980) للعراقي قيس الزبيدي، و"حروب صغيرة" (1981) للّبناني مارون بغدادي، و"رائحة "الجنّة" (1982) للسوري عمر أميرالاي، و"جيل الحرب" (1988) للّبنانيين جان شمعون ومي المصري. هناك "ماستر كلاس" ونشاطات موازية، منها إطلاق طبعة جديدة ("المؤسسة العربية للدراسات والنشر"، بيروت) من كتاب "فلسطين في السينما"، للّبناني وليد شميط والفرنسي غي هينبل، بعد 44 عاماً على صدور الطبعة الأولى منه: هذا الكتاب ترجمةٌ لمعظم محتوى كتاب آخر، صادر باللغة الفرنسية أوائل عام 1977، في باريس، بعنوان "فلسطين والسينما". عمل جماعي بإشراف الناقدين هينبل والتونسي خميّس الخياطي، يُترجم شميط معظم ما فيه إلى اللغة العربية لاحقاً، مُضيفاً إليه مقالات وحوارات له، ومُصدراً الترجمة في العام التالي عن "دار الفجر" (دار نشر لبنانية في باريس).
في تقديمه النسخة التاسعة، يُشير حنا عطالله، مدير "أيام فلسطين السينمائية" (التي تُنظّمها "فيلم لاب فلسطين")، إلى تمكّن المهرجان من إعداد برنامج غنيّ، يتضمّن أفلاماً منتقاة بعناية، ما يمنح "فرصة للاقتراب من مواضيع مختلفة، مرتبطة بعالم السينما وثقافتها"، إذْ لن تقتصر هذه النسخة على "احتفال بالثقافة السينمائية في فلسطين، وجلب قصص سينمائية ثرية إلى سينماتنا ومجتمعاتنا" فقط، لأنّها "تخلق أيضاً لحظةً للتوقّف والتأمّل"، بفضل برنامج "حديث لذاكرة بصرية"، في الذكرى الـ40 لخروج "منظّمة التحرير الفلسطينية" من بيروت، بسبب الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982. هذه الذكرى "نقطة انطلاق للبرنامج"، إذْ "تُعدّ منعطفاً في التاريخ السياسي، والتعبير الفني الفلسطيني، حيث يمكننا الاستدلال على تحوّلٍ في شكل التعبير السردي والبصري ومحتواه". يمنح البرنامج مساحةً لأسئلة تتعلّق بثقافة الذاكرة البصرية، و"ماذا نعني بها، وكيف تؤثّر علينا".
أفلامٌ عربية عدّة تعكس جوانب من يوميات العيش في الصراع، متنوّع الأشكال والأساليب والأهداف، من أجل حقّ، فردي وجماعي، ومن تفاصيل المواجهة في اجتماع وتربية، ومن أحوال أناس يختارون الهجرة كمنفذٍ لخلاصٍ من جحيم حرب وعنف وقتل وإلغاء. أفلامٌ عربية تحاور الذات والآخر، عبر صُور سينمائية تتشكّل في بعضها مسارات أفرادٍ ومصائرهم، ويستعيد بعض آخر منها شيئاً من ذاكرةٍ محمّلة بحربٍ أهلية، وجراحٍ ذاتية.
أحدث الإنتاجات العربية، المختارة في النسخة التاسعة، "حمى البحر المتوسّط" (2022)، للفلسطينية مها حاج (1970)، الفائز بجائزة أفضل سيناريو (حاج) في "نظرة ما"، في الدورة الـ75 (17 ـ 28 مايو/ أيار 2022) لمهرجان "كانّ" السينمائي، والمسابقة هذه مُطلقة فيلمها الروائي الأول، "أمور شخصية"، في الدورة الـ69 (11 ـ 22 مايو/ أيار 2016) للمهرجان نفسه. انغماس سينمائيّ في ذات وليد (عامر حليحل)، الراغب في كتابة رواية أولى، لكنّ اكتئاباً يُصيبه، فيُعطّل رغبته تلك. الانغماس في ذات وليد (40 عاماً)، زوج علا (عنات حديد) ووالد نور (سينتيا سليم)، وشمس (سمير إلياس)، شبيهٌ بانغماسٍ في بيئةٍ وعلاقات ومصائب، لن يغيب عنها الاحتلال الإسرائيلي، لكنّه (الاحتلال) لن يتفرّد في المساحة السينمائية للحكاية والحالات. فـ"حمى البحر المتوسط"، الذي يفتتح النسخة التاسعة للـ"أيام"، يُنقِّب في يوميات أفرادٍ، ومشاكلهم وانفعالاتهم وهواجسهم، وفي كيفية تدبير أمور عيشهم، أو في محاولة ترتيب أحوال عائلية وانفعالية. أي أنّ فردية كلّ شخصية تبقى الأبرز في نصٍّ، يعكس شيئاً كثيراً من دواخل وتفكير وسلوك، في اجتماع وعلاقات.
"فرحة" (2021)، للأردنية دارين ج. سلّام (1987)، يعود إلى "نكبة 48" في فلسطين، مستعيداً تشكّل لحظاتها عبر عينيّ مُراهقة (كرم طاهر)، تُلحّ على والدها مختار المنطقة (أشرف برهوم) للالتحاق بمدرسة المدينة، فإذا بالحرب تدفعها إلى اختبار تجربة متعدّدة الأشكال، بعد أنْ يُغلق والدها باب القبو عليها، لحمايتها من أي اعتداء يهودي/ صهيوني. والاختبار يتوزّع على جسد وروح ووعي، ومتابعة/ تلصّص للحاصل خارجاً، ومعاينة معنى الموت والعزلة والمواجهة.
يُعرض "فرحة" في ختام "أيام فلسطين السينمائية 9"، بعد اختياره باسم الأردن لإرساله إلى "أكاديمية فنون الصورة المتحرّكة وعلومها"، وتقديمه إلى "أوسكار" أفضل فيلم أجنبي (النسخة الـ95، 12 مارس/ آذار 2023)، تماماً كاختيار "حمى البحر المتوسّط" باسم فلسطين وإرساله إلى الأكاديمية نفسها، للهدف نفسه.
فيلمان فلسطينيان يتناولان أحوالاً عدّة ومختلفة من يوميات أفرادٍ ومعاناتهم وتفكيرهم واختباراتهم.