ما كان لعملية انهيار الاتحاد السوفييتي قبل 30 عاماً أن تمر من دون أن تجد لنفسها مرآة في الفن والسينما الروسية، مع تجسيد أجواء الأيام الأخيرة من عمر أكبر دولة في العالم، وما تلاها من تحولات. ومن بين الأعمال الفنية الروسية التي نجحت في نقل أجواء تلك الحقبة التاريخية فيلم "الإمبراطورية المتلاشية"، للمخرج الروسي، كارين شاهنازاروف، من إنتاج استوديو "موسفيلم" عام 2008.
يتناول الفيلم الحياة اليومية لمجموعة من الطلاب في السبعينيات من القرن الماضي، وسط انشغالهم بعواطفهم ومشاريعهم والمشاجرات بينهم، من دون أن يتصوروا أن أكبر بلد في العالم يمكن أن يتلاشى من الخريطة. ويتمحور الفيلم حول "مثلث الحب"، ويبدأ بقصة عاطفية بين الطالب المشاغب، سيرغي ناربيكوف، وزميلته، الحسناء المتواضعة ليودا بيليتسكايا، ولكنهما سرعان ما يتشاجران بعد علم ليودا بأن سيرغي غازل فتاة أخرى في الجامعة أثناء إجازتها المرضية. ويستغل زميل سيرغي، الطالب المجتهد ستيبان مولودتسوف، الوقيعة بينهما للاقتراب من ليودا عن طريق مساعدتها في الدراسة وقضاء مزيد من الوقت معها، فينتهي الأمر بحدوث الحمل فالزواج بينهما، مما يشكل صدمة كبيرة لسيرغي.
وتجري أحداث الفيلم على خلفية أجواء الاتحاد السوفييتي مثل محاضرات تاريخ الحزب الشيوعي في الجامعة، ونقص السلع عالية الجودة وحتى الكتب وتذاكر السينما التي لم يكن من الممكن الحصول عليها إلا بأسعار مبالغ فيها في السوق السوداء، وبيانات متلفزة للقادة السوفييت، وصور زعيم ثورة البلاشفة فلاديمير لينين، ولافتات تحمل شعارات شيوعية لم يعد يلتفت إليها الشباب من الجيل الجديد.
ويختتم الفيلم بمشهد يلتقي فيها سيرغي وستيبان صدفة في أحد المطارات، بعد مرور نحو 30 عاماً وتفكك الاتحاد السوفييتي. ويطّلع ستيبان زميل دراسته على مسيرة حياته، ومنها انفصاله عن ليودا بعد مرور عام فقط، وزواجه من امرأة أخرى وهجرته إلى فنلندا من دون أن يجد لنفسه وطناً في روسيا ما بعد السوفييتية الوليدة.
يذكر أن عملية تفكك الاتحاد السوفييتي دخلت مرحلتها الختامية على أثر توقيع كل من قادة روسيا (بوريس يلتسين)، وأوكرانيا (ليونيد كرافتشوك)، وبيلاروسيا (ستانيسلاف شوشكيفيتش)، في 8 ديسمبر/كانون الأول 1991 على اتفاقية "بيلوفيجسكايا بوشا" التي أقرت بانتهاء وجود الاتحاد وإقامة رابطة الدول المستقلة. وفي 25 ديسمبر عام 1991، ألقى آخر زعماء الاتحاد السوفييتي، ميخائيل غورباتشوف، كلمة وداع تنحى فيها عن الحكم لتمسكه بـ"وحدة الدولة". وفي اليوم التالي، صدر إعلان الاعتراف باستقلال 15 جمهورية سوفييتية سابقة، لتدخل جميعها مرحلة جديدة من تاريخها عاشت خلالها أحداثاً دراماتيكية بين ثورات وحروب وأزمات سياسية واقتصادية واجتماعية بالغة الخطورة، لم يتمكن العديد من أبناء الأجيال السوفييتية من استيعابها.