لم يشكل الإيقاع الشرقي هاجساً للمؤلف والموزع الموسيقي والملحن طوني مخول طوال مسيرته الفنية حتى يعكس ثقافته وهويته، إنما ما أراده من خلال "العرض الكبير"Le Grand Spectacle الذي أقامه في رومانيا، الشهر الماضي، هو نقل رسالة أمل من لبنان في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها. في الحفل الموسيقي الضخم، بقيادته وتنظيمه وأدائه، نقل الحضور إلى أجواء حالمة أغنتها صور من لبنان وألحان من بلاد الأرز، مع عروض راقصة بوجود الأوركسترا الفيلهارمونية، حيث اجتمع على المسرح نحو مائة فنان.
"الشعب اللبناني حي لا يموت، على الرغم من الأوضاع الصعبة التي يمر بها في هذه المرحلة. وحتى في ظل الأزمات، لن يخفت بريق بيروت التي تبقى أقوى من أي وقت مضى"، تلك هي الرسالة التي أراد أن ينقلها طوني مخول إلى العالم، في حفل "العرض الكبير" Le Grand Spectacle، وفق ما يقول في حديث لـ"العربي الجديد". أراد من خلال حفله هذا أن يقدم تحية لوطنه من جهة، وأن ينقل صورة لبنان الفن والثقافة من جهة ثانية، بعيداً عن الأزمة الاقتصادية الحادة والتدهور الذي يعيشه أخيراً. فلبنان، وفق ما يقول مخول، "هو مصدر وحي وأمل لأبنائه، ولا بد من إظهار قيمته وقيمة شعبه الكبرى، بدلاً من التركيز على ما يسيء إليه". ردود الفعل من قبل دبلوماسيين من مختلف الدول وشخصيات كثيرة كانت حاضرة ليست مستغربة، فبدا واضحاً، من التجاوب خلال الحفل ومدى التأثر الواضح لدى الحاضرين، أن الرسالة التي أراد أن ينقلها طوني مخول وصلت بأفضل ما يكون. فكيف لها ألا تصل وقد حرص على ألا يهمل أي تفصيل خلال الحفل الذي أتى متكاملاً بين الموسيقى والعروض الراقصة والمشاهد التصويرية من لبنان، في وقت يمر به وطنه بأصعب الأوقات؟
تخلل العرض أغنية بإيقاع شرقي هي خاصة بالحفل، أتت لتكون بمثابة تحية للبنان، وقد تمت ترجمتها إلى اللغة الرومانية حتى تصل إلى كل الحاضرين بسهولة. كما ترافق أداء الأغنية مع مشاهد مصوّرة من لبنان، ما خلق مزيجاً مؤثراً أبكى الحضور.
يعود اليوم طوني مخول بالذاكرة إلى طفولته التي منها بدأ شغفه بالموسيقى. يتذكر أنه في الطفولة لم يكن سهلاً اقتناء آلة موسيقية، فكان يبحث في مدرسته عن الصالة التي تحتوي أي آلة موسيقية، كالبيانو، ليعزف عليه تلقائياً. ولأن ما يحتاجه الموسيقي هو الإنتاج والتمويل، عمل طوني مخول في مجال الهندسة، ليتمكن من تمويل عشقه للموسيقى. وعندما بدأ مسيرته بمسرحية غنائية كبرى لم يتوافر لها الدعم، اتخذ قراراً سببه التحديات التي واجهها بعد هذه التجربة. "قررت من حينها ألا أنفق على إنتاج كبير لا يصل إلى العالم على نطاق واسع. قررت العمل على ما قد ينتشر في العالم، ما يتطلب التركيز على الموسيقى حصراً"، يعلق مخول.
من حينها، ألغى مخول الكلمات، وقرر التركيز على الموسيقى واللحن، من دون أن يدخل الإيقاع الشرقي، وقبل الحديث أيضاً في الإنتاج والأوركسترا. فقد كان هدفه دوماً "الدخول إلى قلوب الكل من خلال الموسيقى".
أما بالنسبة إلى عرض Le Grand Spectacle فله طابع آخر، إذ تزينت موسيقاه فيه بالعظمة والضخامة والألحان التي تصل إلى الكل. بالنسبة لمخول، الأهم هو أن يكون الأساس جميلاً وتحديداً اللحن، أما الإضافات فلن تجمّل ما لا يتميز بالجمال أصلاً، تماماً كالزهرة التي توضع في إناء جميل وهي ذابلة فلن تبدو جميلة. فلطالما استفزه من يعتمد على الإنتاج الضخم في ظل فقدان العنصر الأساسي، أي اللحن الجميل، وهو ذاك الذي يبقى في الذاكرة مع مرور الوقت، ويترسخ في الأذهان، ويصل إلى الإحساس. انطلاقاً من ذلك، استطاع أن يترك من خلال موسيقاه بصمة خاصة تعكس هويته، وتضاف إلى التنوع الكبير الذي يميزها، والذي حرص عليه دوماً، ولم يحصر نفسه وفنه في إطار معين في أي وقت، فجعل موسيقاه حرة لا تعرف أي حدود، لتصل إلى العالم أجمع.