بُثت أخيراً على شبكة أمازون برايم الحلقة الأخيرة من مسلسل "الفتيان" (The Boys) الذي اكتسب شهرة واسعة كونه يكسر الصورة التقليدية عن الأبطال الخارقين، ويعلّق بصورة غير مباشرة على "ديزني" ودورها كمؤسسة "اشترت" الأبطال الخارقين، وأعادت تقديمهم على هواها، مخفية الجوانب المريبة من حياتهم، سواء كنا نتحدث عن الشخصيات نفسها، أو الممثلين الخاضعين لشروط قاسية في ظهورهم العام، كي لا يُخلِّوا بعقودهم مع عملاق الرسوم المتحركة.
لن نحاول الإشارة إلى أحداث المسلسل حفاظاً على متعة من لم يشاهده بعد، كونه لم يُطلق دفعة واحدة، بل حلقة كل أسبوع. ويفضل بعضهم أن يشاهده دفعة واحدة (Binge-watching). نشير إلى أسلوب العرض هذا، كون تدفق الحكاية مثيراً للاهتمام؛ فكل حلقة مليئة بالأحداث والعنف الدموي الذي عهدناه، وتنتهي بـ"عقدة" بانتظار حلها في الحلقة المقبلة. الأسلوب نفسه بقي مستمراً إلى الحلقة الأخيرة التي تعدنا بموسم جديد لحل ما تبقى من عُقد.
اللافت في هذا الموسم هو تاريخ الشركة التي "تصنع" الأبطال الخارقين؛ إذ نتعرف إلى أبطالها القدامى، في إحالة إلى حقبة الحرب الباردة، وأول فريق للأبطال الخارقين بقيادة Soldier Boy الذي لا يقهر ولا يمكن قتله. يمكن فقط تخديره وإخفاؤه في مكان بعيد عن الأنظار. وهذا ما يتضح لاحقاً في المسلسل؛ إذ نكتشف أنه كان مخطوفاً بعد أن خانه فريقه. وعند عودته إلى الساحة، يَدخُل في صراع مع الأبطال الجدد، كـHomelander، وفريق الفتيان الذي يجد نفسه في مواجهة غير متكافئة.
يُحيل المسلسل إلى الهوس بالشهرة والسلطة عبر المركّب V المؤقت الذي يمنح من "يتعاطاه" قوة خارقة لفترة قصيرة. وهذا ما يكتشفه كل من هيوي وبوتشر اللذين يتحولان إلى ما يشبه المدمنين، هدفهما القضاء على الأبطال الخارقين أينما كانوا ومهما كانت قواهم. لكن الثمن غال. هذا المركب يأكل دماغ صاحبه، ويهدد توازنه وحياته. وهذا بالضبط ما يحاول المسلسل الإشارة إليه؛ تعاطي هذه المواد التي لها فوائد خارقة، حتى لو كان الهدف نبيلاً، أمر غير طبيعي، والنتيجة مرعبة، حتى لو لم يلتهم الإدمان جسد المُتعاطي، فسيذيب عقله ويفقده القدرة على اتخاذ القرار المناسب للحفاظ على إنسانيته. بالضبط كإدمان الشهرة أو السلطة، كلاهما إن تجاوزا حداً ما يهددان تماسك من يتحكم بهما، إلى حد أن يفقد "متعاطيهما" عقله حرفياً ومجازياً.
نكتشف في المسلسل طبيعة العلاقات العائلية التي تجمع بين "الأشد قوة" أي Homelander وSoldier Boy، وشخصية أخرى لن نذكر اسمها، لتنكشف سطوة الأسرة النووية وطبيعة العنف داخلها، والأهم، كيف تتوارث أخلاقها، وهذا ما يقف على النقيض من الأسرة الجديدة، تلك الهوياتية، التي تتضح سطوتها عندما اجتمع "الناس" أمام مقر الشركة العملاقة لتحرير مايف من الأسر، في شكل من أشكال التعاضد الأسري الهوياتي. لكن عوضاً عن النصح والترهيب، سلاح الأسرة الهوياتيّة هو وسائل التواصل الاجتماعي، ذات الأدوات متعددة الوظائف؛ فهي منصات للترويج، وللاعتراف، ولنصب الفخاخ، وللإيقاع بالأشرار، ولكسب المعجيبن، ولحشد المناصرين... إلخ.
القدرة على التواصل الآني ومخاطبة الجميع في لحظة واحدة، باستخدام الهاتف النقال، تضيء على طبيعة العصر الذي نعيشه، الكلّ يؤدّي أمام الكلّ، والكل مهدد بلحظة ما بالفضيحة. وحتى إن حصلت، وافتُضح الشر الدفين وسقط القناع، كما حصل مع Homelander الناطق باسم الرجال الذكوريين المقموعين، يمكن توظيف ذات المنصات لتحشد مريدين جدد، وكأننا في حلقة لا تنتهي من البطولة والتحريض وتوليد رأس المال.
أزمة شبكات التواصل السابقة، ومن وراءها من مديرين تنفيذيين، تأخذ شكلاً شديد الساتيرية في هذا الموسم. لكن الحل، كما نرى نهاية، هو الانسحاب الكلي، فمهما قال أحدهم أمام الشاشة، هو يؤدي حكماً، وسيتحول إلى ناشط أو بطل، لا مكان للحقيقة أمام الشاشة: الحل هو النجاة الفردية، والاختفاء كلياً، والانضمام إلى الجموع، والاحتفاظ بالخصوصية والحميمية، لا لشيء، بل للحفاظ على الصفة البشرية فينا، تلك التي تأنس للخصوصية وتجد فيها مساحة لاكتشاف الذات، بعكس العلنيّة التي توفرها وسائل التواصل الاجتماعي.