قبل أيام، بثت منصة "شاهد"، الحلقة الأخيرة من الموسم الأول للمسلسل العربي المشترك، "الوسم". سبع حلقات من إخراج السوري سيف سبيعي، ومن تأليف بسيم الريس. العمل من بطولة الممثل السوري قصي خولي، برفقة مجموعة من الممثلين العرب، من مصر ولبنان وسورية.
يرصد العمل بيئة السجون والمافيات واللجوء الإنساني. قضايا جيدة لنوع الأعمال المصممة للحركة والتشويق، في حال استطاعت النجاة من الغرق في التكرار والتقليد. السوق العربية تحتاج إلى مثل هذه الدماء الجديدة، لكنها لا بد وأن تكون مطواعة لرؤية غير مألوفة عن الشكل المنهجي لصناعة الدراما.
هنا، أمامنا عمل تبدو عليه علامات المحاولة. قصة سجين قادم من أوروبا، يُدعى نورس عبد الحق (قصي خولي). يمر نورس برفقة صديقه رغيد (إسماعيل تمر) من سجن كوريدالوس اليوناني لتركيا، ثم سجن المينا السوري، للالتقاء بسجين آخر يدعى منصور (مهند قطيش)، بحوزته أوراق مهمة تتنازع عليها شخصيات مهمة. هذه خلاصة لحكاية الموسم الأول، ولا يسعنا شرح المزيد، نزولًا عند رغبة صنّاع العمل في الاستطالة في تشبيك الأجزاء المتناثرة، من الموسم الأول حتى صدور باقي الحلقات في الموسم اللاحق.
وبذلك، ندرك بأن القصص الظاهرة، شأن متابعتها والإعجاب بها، مشروطة بحركة الشخصيات والحوارات والكاميرا، وليس الحكاية ذاتها -المضللة- التي لم تسلّم مفاتيحها للمُشاهد طوال مدة عرض الموسم الأول. ونشير إلى العناصر الثلاثة هذه بهدف تفكيك بنية العمل التي اتخذت من بيئة السجون مقرًا، لها لطبخ الأحداث المتسارعة والمتناثرة.
تتوزع الشخصيات بين أربعة محاور واضحة. كل محور يصوّر بيئة خاصة مرتبطة خيوطها بشخصية نورس. عائلة البطل المكونة من أم مصرية، وأخت وأخ غايتها تسليط الضوء على حياة السوريين في مصر بعد اندلاع الحرب في سورية. الشخصيات البارزة في الدولة السورية، ولم نتعرف على حضورها علانية. شخصيات السجن تشكّل مركز الأحداث وزخمها. وشخصية ألكسندرا (ميرفا القاضي)، زعيمة إحدى المافيات الموجودة في سلوفينيا.
تحاول المحاور الأربعة هذه فتح نوافذ الحكاية بإيعازات مقحمة من خلال النص الحواري للممثلين، من دون الاعتماد على متن بصري وقصصي يوضّح الأحداث والسياقات الدرامية، بمعالجة متزنة وغير مباشرة.
سقطة العمل تبرز من خلال حواراته ونقاشات شخصياته المقحمة والفجة، بشكل يهين عقل المشاهد ويقصيه عن تحرّي الأحداث واستكشافها بمفرده؛ فجاءت الحوارات مبتذلة تحاول تنبيه المشاهد وتوعيته نحو أحداث الحكاية. أضف أن بعض الشخصيات كان لها دور سلبي في ابتعادها عن التعريفات الخاصة بها، وبمكنوناتها النفسية، وحجبت عن الشخصية الرئيسية جهدها الواضح في استمالة وجذب طاقة العمل إليها، ما سمح بخلق مساحة واسعة بين الممثلين والجمهور بشكل واضح. تركيبة العلاقات الدائرة بينها، تفتقد إلى رابط درامي ونفسي واجتماعي منطقي، بدلًا من روابط سطحية ومارقة ومقحمة.
الأحداث الجارية في السجن، كان لها الدور الكبير والوحيد في خلق صراع مستمر وناجح. ولعل مسرح الأحداث في السجون، كما تعلمناها في مثل هذا النوع من الدراما، كفيل بخلق الصراعات والمؤامرات المناسبة لرفع وتيرة التشويق والإثارة. ويمكن رؤية قوالب مماثلة في أعمال مثل "بريزون بريك".
نجح خولي، الذي لا تختلف طباع شخصيته وسلوكياتها عن شخصية مايكل سكوفيلد (وينتورث ميلر)، في امتصاص ضعف وتشتت الحكاية، وملء ثغراتها من خلال شخصيته وحنكته التمثيلية، رغم أن دوره لا يختلف عن شخصيات سابقة قدمها في عالم الشاشة الصغيرة، ولا سيما المسلسل المشترك القصير، "لا حكم عليه"، الذي قدمه العام الماضي.
تفاصيل الألوان والإضاءة والموسيقى وحركة الكاميرا، تشي بنضج أسلوب سبيعي وقدراته على مواكبة هذا النوع الجديد من الأعمال التي تطرح في الأسواق في السنوات الأخيرة.