في ظل تصاعد معدلات انتهاك حرية التعبير والإبداع، أصدرت مؤسسة حرية الفكر والتعبير - مؤسسة مجتمع مدني مصرية) تقريراً بعنوان "باب مقفول... ورقة عن العضوية كمدخل لنقابات فنية مستقلة في مصر"، رصدت من خلاله كيف استغلت السلطة المصرية الحالية جائحة فيروس كورونا، إلى جانب حرب الدولة المستمرة على الإرهاب، لتمرير المزيد من التضييق على النقابات الفنية المستقلة في مصر.
ورأت مؤسسة حرية الفكر والتعبير أن اللحظة تستوجب مراجعة الأطراف المعنية لسياساتها وأساليبها، مراعاةً لحاجات جماهير ومستهلكي الفنون والثقافة من ناحية، وصنّاعها ومبدعيها من ناحية أخرى، وكذلك لاستعادة أجواء أكثر انفتاحاً على الأخص في ظل انتشار منصات ووسائط رقمية عابرة للحدود. ومن ثم ضرورة الانتقال من أساليب الملاحقة والتضييق إلى تحويل النقابات الفنية إلى كيانات حاضنة وجاذبة للفنانين ومدافعة عن مصالحهم وحقوقهم، وراعية لإبداعاتهم وأفكارهم على تنوعها واختلافها بمرونةٍ تضع نصب عينها المصالح الواسعة الاجتماعية والاقتصادية، وليس فقط الاعتبارات السياسية والأمنية الضيقة.
أوصت المؤسسة النقابات الفنية في مصر بأن تتوقف عن ملاحقة الأعضاء داخل النقابة وخارجها من العاملين في المجال
وأوصت المؤسسة النقابات الفنية في مصر بأن تتوقف عن ملاحقة الأعضاء داخل النقابة وخارجها من العاملين في المجال، وعن مساءلتهم سياسيّاً وأخلاقيّاً، وأن تفتح الباب أمام عضويات جديدة، وأن تدافع عن مصالح أعضائها الفكرية والقانونية والمادية، وكذلك أن تلتزم أدوارها كجهات تنظيم للمهنة وألَّا تتعداها إلى احتكار شؤونها، وأوصتها أيضاً بأن تعمل على ضمانة استقلالها المادي عن مؤسسات الدولة.
ورصد التقرير تعدد أشكال ملاحقة الفنانين والمبدعين ومحاصرة أعمالهم، وتعزز التنسيق بين النقابات الفنية والجهات الأمنية من ناحية، والأجهزة الرقابية من ناحية أخرى، في السنوات الأخيرة الذي يظهر في موقف نقابة المهن الموسيقية، بقيادة النقيب هاني شاكر، التي شنت حملة إعلامية وأمنية شرسة لضمان تنفيذ قرار منع مطربي المهرجانات من الغناء، وحررت بلاغات ضد عدد منهم، إما بسبب الغناء في أماكن عامة، وإما لإطلاق أغانٍ جديدة على شبكة الإنترنت.
وفي إجابتها عن سؤال: كيف أصبحت العضوية سيفاً مصلتاً على رقاب المبدعين؟ قالت المؤسسة في تقريرها: "تبلغ عضوية النقابات الفنية الثلاث مجتمعة 47600 عضو، وذلك بحسب آخر إحصاء نشر للمركز القومي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2018. ومن الملاحظ أن النقابات الفنية يتزايد عدد المنضمين إليها عاماً بعد عام بشكل مطّرد - وإن كان في الأغلب غير متناسب مع أعداد المبدعين والفنانين ــ باستثناء نقابة المهن الموسيقية، التي انخفضت عضويتها خلال آخر إحصاء إلى 22386 في مقابل 63023 عضواً خلال عام 2016، أي ما يقارب الثلث.
نقابة المهن الموسيقية هي النقابة الأكثر عضوية بين النقابات الفنية، كذلك فإنها الأبرز من حيث محاولات الضبط والتطويع واستخدام سلطتها ودعايتها الإعلامية
وتنسجم هذه الخلاصة مع ملاحظة أن نقابة المهن الموسيقية هي النقابة الأكثر عضوية بين النقابات الفنية، كذلك فإنها الأبرز من حيث محاولات الضبط والتطويع واستخدام سلطتها ودعايتها الإعلامية، خاصة في السنوات الأخيرة، مع استمرار مطالبتها بالمزيد من السلطة على الأعضاء والأعضاء المحتملين".
وأضاف التقرير: "رغم أن النقابات تستمد وجودها وقوتها من قوامها الأساسي، وهو العضوية، ودستوريّاً ينضم الأفراد طواعية إلى صفوفها للحصول على الامتيازات والخدمات المتوافرة للأعضاء، فعملية إنتاج أي محتوىً فني يجب أن يحصل صاحبها على تصريح من النقابة، وتحاجج النقابة بأن فتح الباب (للدخلاء على المهنة) بحسب تعبيرها، يحدّ من قدرتها على توفير موارد لدعم عضويتها الموجودة بالفعل، وعلى توفير فرص عمل لهم، في ظل ارتفاع الطلب في السوق".
واعتبرت المؤسسة أن النقابة بذلك "تتجاهل دورها الذي يتمثل أولاً بالعمل على دعم الأعضاء وتطويرهم، وأن توفير فرص عمل للأعضاء لا يخلو من تأهيل وتطوير وخلق مجال خصب لهؤلاء الأفراد بحيث تزداد قدرتهم على المنافسة في سوق العمل، بينما ما تمارسه النقابة حاليّاً من مطاردة للأعضاء وغيرهم، يتعارض مع أدوارها ويحدّ من قدرتها على تقديم الدعم.
وإذا ما أصبحت النقابات معنية أولاً بكفالة مصالح الأعضاء وتطويرهم والتفاوض من أجلهم، كما حدد لها القانون في مادته الثالثة، فسينعكس ذلك على حجم إيراداتها حيث ستنعكس تلك السياسات في جذب جميع الفنانين غير المسجلين بالنقابة، سواء كانوا منشقين من النقابة أو مستقلين عنها، ليصبحوا أعضاءً، وسيكون من السهل أن تضاعف النقابة من إيراداتها في بيئة انتشار أنواع متعددة من الفنون وجمهور واسع متنوع أيضاً".