قبل أيام، بدأت منصة "شاهد" بعرض المسلسل اللبناني الجديد "دور العمر" الذي تؤدي البطولة فيه سيرين عبد النور، إلى جانب عادل كرم، وهو من إخراج سعيد الماروق وتأليف ناصر فقيه.
المسلسل من فئة الأعمال الدرامية القصيرة (10 حلقات). تدور الأحداث فيه حول فتاة ثرية تدعى "شمس" (سيرين عبد النور) التي تحاول أن تحقق العدالة في لبنان وفقاً لقناعاتها الشخصية، فتضع الخطط لتصفية بعض الشخصيات العامة، التي تنتشر حولها الاتهامات بالتحرش والقتل والدعارة. لتنفيذ هذه الخطط، تستعين بممثل شهير يُدعى "فارس نحاس" (عادل كرم) الذي اكتسب شهرته الواسعة من خلال تجسيده لشخصية "أمير" الرجل الذي يقوم بتحقيق العدالة بيده في بلد تسوده الفوضى، في مسلسل افتراضي يحمل اسم "الجلاد".
قد تبدو فكرة المسلسل جذابة، إذا ما تمعّنا في أبعادها الرمزية، لكن تجب الإشارة هنا إلى أنّ فكرته ليست سوى مزج لأفكار مستهلكة في السينما العالمية، أبرزها نجدها بشكل واضح في فيلم The brave one، الذي أدت دور البطولة فيه الممثلة جودي فوستر. ومن خلال الحلقات الأربع الأولى، يتبين أنّ "دور العمر" ليس سوى نسخة عربية معالجة بشكل مشوه عن الفيلم الأميركي الذي يروي حكاية فتاة تدعى "إريكا"، تتعرض للاعتداء من قبل مجهولين في أحد أزقة سنترال بارك في نيويورك، فيتم اغتصابها وقتل حبيبها بطريقة وحشية. وعندما تستعيد الفتاة عافيتها، تحاول أن تتابع القضية، لكنها تفقد الثقة في أجهزة الدولة والقانون بسبب إهمالهم لها، فتقرر أن تحقق العدالة على طريقتها الخاصة، لتجوب شوارع المدينة ليلاً وحدها وتقتل المتحرشين والمغتصبين والمجرمين، لتشتهر في أوساط المدينة باسم "الجلاد"، وتلقى دعماً جماهيرياً، قبل أن تصل في نهاية الفيلم إلى المعتدين عليها وتنتقم منهم.
هذه الفكرة أعيدت صياغتها في "دور العمر" لكن برؤية ذكورية. "شمس" تتفوق على "إريكا" بامتلاكها الكثير من المال والقليل من السلطة، ما يمكنها من جمع المعلومات ووضع الخطط المسبقة. ونجدها في المسلسل عاجزة عن تنفيذ عمليات القتل بنفسها، ليس لخوفها من تلوث يديها بالدماء، وإنما لحاجتها إلى بطل ذكر يقوم بتلك المهمة عنها. بذلك، يعزز العمل بعض الأفكار الذكورية السائدة التي تجعل من العنف صفة رجولية، لنجد أنّ "شمس" تغرم بشخصية "أمير" كونه رجلاً عنيفاً يأخذ حقه بيده. تجدر الإشارة هنا إلى أن "فارس" (الذي يلعب دور أمير) ليس سوى صورة نمطية عن الرجل الشرقي، الذي يرتكب جرائمه الأولى قبل التقائه بـ"شمس" بغاية الدفاع عن الشرف بمفهومه الشرقي، لنراه في أحد المشاهد يشرع في قتل صديقه الذي تربطه علاقة حبّ بأخته.
بالإضافة إلى هذه المشكلة، فإن مسلسل "دور العمر" يميع فكرة The brave one ويسطحها، فبدلاً من المحافظة على أهم جوانب الفيلم المتمثل في فقدان الثقة في أجهزة الدولة، عندما يتم نقل الحكاية إلى بلد مثل لبنان، نجد أنّ الكاتب قد بحث عن أسباب شخصية غير مقنعة لـ"شمس" بدلاً من المحافظة على الأسباب الموضوعية العامة؛ فهي بدأت بوضع خطط القتل بعدما شكت في وجود علاقة بين أبيها وخالتها، وبعدما وضعها أبوها في مصحة عقلية في سويسرا لتدارك الفضيحة. هذه القصة غير المنطقية لا يمكن أن تبرر قتلها لشخصيات عامة.
ومن ناحية أخرى، فإنّ "دور العمر" يستعين بفكرة أخرى مستهلكة في السينما والدراما العالمية، التي نجد فيها أنّ الممثل قد يتورط بارتكاب جرائم أو يكتسب بعض العادات الغريبة إذا ما تقمص دوره بإتقان؛ لكنّ هذه الفكرة عادةً ما تقترن أكثر بالأعمال الكوميدية، مثل Tropic Thunder، أو حتى ببعض المسلسلات العربية كـ"هومي هون"، لكنّها في "دور العمر" تكتسب بعداً جدياً قد يكون هو ما يميزها، لو كانت وضعت في سياق أفضل.