بعد مرور قرابة الشهر على طرح مسلسل "رجل في مواجهة نحلة" Man Vs Bee، استطاع المسلسل أن يحتل المرتبة الأخيرة في قائمة المسلسلات الـ10 الأكثر مشاهدة على منصة نتفليكس العالمية. كان من المستغرب أن يتأخر المسلسل الذي تعاونت فيه "نتفليكس" لأول مرة مع الممثل البريطاني، روان أتكينسون، المشهور بشخصية "مستر بين"، عن الدخول في هذه القائمة وأن يحتل المرتبة الأخيرة فيها.
ربما توقيت عرض المسلسل لم يكن في صالحه على الإطلاق، إذْ تزامن مع بث الحلقات الأخيرة من الجزء الرابع من Stranger Things؛ المسلسل الأكثر متابعة على المنصة. وربما يكون الأمر غير متعلق بعوامل خارجية، بل بمسيرة روان أتكينسون نفسه الذي فشل في تقديم شخصية جديدة تضاهي"مستر بين". رُوّج للمسلسل فعلياً من هذه الزاوية، إذ كُشف عنه بعد أن أعلن أتكينسون العام الماضي توقفه عن أداء شخصية "مستر بين". صرح حينها بأنه قد سئم من لعب الشخصية نفسها، وقال: "لم أعد أستمتع بأداء هذا الدور بعد الآن، أجد الأمر مرهقاً ومثيراً للقلق الدائم، ولا أطيق الانتظار لوضع حد له".
ادعاءات أتكينسون حول ملله من أداء شخصية "مستر بين" لا تبدو حقيقية، فهو متوقف عن تأديتها منذ سنة 2007، حين قدمها آخر مرة في فيلم "إجازة مستر بين"، وبعدها اكتفى بتأدية الشخصية نفسها عن طريق التعليق صوتي في المسلسل الكرتوني الذي يحمل اسم الشخصية، والذي قُدِم الجزء الأخير منه عام 2019. وخلال هذه المدة لم يتوقف أتكينسون عن العمل، بل كان لديه العديد من الأفلام، أبرزها سلسلة أفلام "جوني إنغليش" التي حاول من خلالها أتكينسون خلق نسخة كوميديا مشوهة عن "جيمس بوند"، ولعب دور العميل السري الفاشل. لكنه لم يستطع الخروج من عباءة "مستر بين" على الإطلاق حين أدى شخصيات مختلفة، فلم تفارقه ملامح الشخصية بشكل كامل، وإلى اليوم ما زال الجمهور يقارن أي شخصية يقدمها بشخصية "مستر بين".
وعلى الرغم من أن "نتفليكس" روجت للمسلسل على أنه سيشهد ولادة شخصية جديدة لأتكينسون، فإنه يمكن لأي متابع ملاحظة التشابه الكبير بين شخصية "مستر بين" وشخصية "تريفور" التي يقدمها أتكينسون في مسلسله الجديد؛ فهي بالكثير من الأحيان لا تبدو سوى نسخة ناطقة عن شخصية "مستر بين"، ولا تسعف أتكينسون كل المحاولات لتمييز الشخصية ورسم تاريخ لها، المتمثل بتاريخه الطويل في الفشل الوظيفي، رغم رسم أهداف آنية، المتمثلة بسعيه المتأخر للحصول على وظيفة لتأمين المال، وتحقيق حلم ابنته في الذهاب إلى رحلة تخييم.
هكذا تبدو الخطوط العريضة في شخصية "تريفور" مختلفة عن شخصية "مستر بين"، الرجل الذي يعيش وحيداً؛ إلا أن هذه التفاصيل لا تغطي على الشبه الكبير بين الشخصيتين؛ فالأداء الحركي هو نفسه، وردود الأفعال والتعاطي مع الأمور الحياتية بسذاجة ينتج عنها مواقف الكوميدية هي نفسها.
الأمر لا يختلف في كلا الشخصيتين؛ خصوصاً أنّ كلّ التفاصيل المتعلقة بالشخصية الدرامية تختفي في المسلسل أمام الصراع الدرامي الوحيد فيه، بين الرجل والنحلة. المسلسل يبدأ بمشهد من المستقبل، في قاعة المحكمة حين يدان "تريفور" بـ 14 جريمة ارتكبها أثناء عمله حارساً لمدة أسبوع واحد، في منزل فاخر يحتوي تحف فنية باهظة الثمن، ومنه نعود إلى هذا الأسبوع لنعيش تفاصيله خلال الحلقات التالية القصيرة، والتي كان يمكن فعلياً جمعها بفيلم واحد. ما يحدث في المسلسل هو المتوقع منذ اللحظة الأولى، أي معارك مجنونة مع نحلة تسللت إلى المنزل، ينتج عنها تدميره وحرقه.
وهنا يجب أن نشير إلى أنّ صراع روان أتكينسون مع النحلة قد عاشه في لوحة درامية سابقة في شخصية "مستر بين"؛ اللوحة التي تحمل عنوان "الرحلة" (Picnic)، حين تدخل نحلة في سروال "مستر بين". فعلياً هناك العديد من اللقطات وردود الفعل المتطابقة. هذا التشابه زاد بدوره قدرة المشاهد على توقع ردود فعل "تريفور".
إنّ استعادة لوحة "مستر بين" القديمة بسياق درامي جديد، قد يكون لها دور في جذب الجمهور المصاب بلوعة الحنين لإنتاجات القرن الماضي؛ لكنّ المسلسل فعلياً لم يحظ بتقييمات مرتفعة، والسبب الحقيقي يكمن فعلياً في البنية الدرامية الرديئة التي جعلت من فكرة تصلح للوحة واحدة في "مستر بين" أو في "توم وجيري" أن تتحول إلى مسلسل؛ مسلسل نشعر بأنّه مليء بمشاهد الحشو والإطالة غير المبررة رغم أنّ مدة الحلقة لا تتجاوز 10 دقائق فقط.