سبق عرض مسلسل "صالون زهرة" حملة إعلانية سوقت له باعتباره يطرح العديد من القضايا الإنسانية الهامة كمعاناة النساء في المجتمع اللبناني، وأنه يرصد آثار انفجار مرفأ بيروت على الحياة في لبنان. لكن بعد انتهاء المسلسل الذي كتبته نادين جابر وأخرجه جو بوعيد، يتبين أنه هو مجرد حكاية حب صيغت في قالب كوميدي خفيف، تجمع المهرب "أنس" الذي يجسده معتصم النهار، وصاحبة صالون التجميل النسائي "زهرة" التي تجسدها نادين نسيب نجيم، عن طريق الصدفة، وأن القضايا الإنسانية التي استثمرها العمل بحملته الترويجية لم تكن سوى حكايات هامشية تمت معالجتها ومحاكاتها بطريقة سطحية.
انفجار مرفأ بيروت
صُوّر المسلسل في منطقة مار مخايل، المتاخمة لمرفأ بيروت، والتي تضررت بشكل كبير إثر انفجاره؛ الأمر الذي ساهم بتأكيد تصريحات صناع المسلسل وجعلنا نظن بأنه سيحاكي بالفعل لحظة الانفجار لينتهي المسلسل بحدث مأساوي. إلا أن الطريقة التي صوّر بها جو بوعيد الحارة كانت مغايرة للواقع، لتبدو نظيفة ومنقحة على طريقة الفيديو كليب، فلا تظهر بالمسلسل أي آثار للدمار الذي تسبب به الانفجار، والذي يتبين لنا في الحلقات الأخيرة من المسلسل أنه يسبق زمنياً أحداث المسلسل؛ بل إن الحديث عن انفجار المرفأ اقتصر على مشهد وحيد، ضمن حوار هامشي خلال الموعد الغرامي الأول بين "زهرة" و"أنس"، حين تقول "زهرة" إن انفجار بيروت تسبب بخسائر مادية، إذ تحطّم صالونها واضطرت لإعادة بنائه من جديد.
وإلى جانب المتاجرة بحكاية انفجار مرفأ بيروت إعلامياً، فإن المسلسل تاجر أيضاً بالقضايا النسوية التي ادعى أنه يعالجها، حيث قدمها بشكل سطحي وعالجها بمنطق ذكوري لا يتناسب معها.
الأم العزباء والحمل خارج إطار الزواج
من خلال شخصية "لينا" (لين غرة)، صوَّر المسلسل العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج في مجتمعاتنا على أنه أمر يعيب المرأة وحدها دوناً عن الرجل. للأسف لا يمكن إنكار أن هذا الأمر يمثل ما يحدث في الواقع فعلاً، لكن المسلسل كرّس هذا المفهوم بدلاً من انتقاده. يتضح ذلك من خلال ردود الفعل المتشابهة والآراء التي تتشارك بها جميع الشخصيات عندما تحمل "لينا" عن طريق الخطأ من حبيبها، فالجميع يلقي اللوم كاملاً عليها، لأنها "أعطت حبيبها كل ما تملك قبل الزواج". نتيجةً لذلك تقرر "لينا" إجهاض الجنين، ليسلط المسلسل الضوء هنا على القانون، الذي يجرّم المرأة التي تجهض، ويعاقبها بالسجن من ستة أشهر حتى ثلاث سنوات وفقاً للمادتين 539 و546 من قانون العقوبات؛ من دون أن تغير هذه المعلومات من سياق القصة البتة.
وفي سياق منفصل، يعرض المسلسل بشكل مفاجئ حكاية عاشتها "زهرة" في الماضي، حين تعرضت للاغتصاب من قبل رجل مجهول، وحملت بطفلة رفضت إجهاضها. هذه الطفلة بقي وجودها سراً، لتعيش من دون أوراق مبعدة ومعزولة ومغيبة عن أعين المجتمع أعواماً طويلة؛ ليبين المسلسل معاناة الأم العزباء. لكن السيئ في هذه القصة أن المسلسل يعزو المشكلة إلى تشدد المجتمع وجهله ويلمّع صورة القانون اللبناني الذي يمنحها الحق بتسجيل الفتاة ويمنحها أوراقاً قانونية وفقًا للمادة 15 من قانون الأحوال الشخصية، ولا يشير المسلسل إلى ذكورية القوانين التي لا تنصف المرأة المغتصبة ولا تحميها وإنما تعطي مغتصبها فرصة الزواج منها بدلاً من العقاب.
والأسوأ أن كلتا الحكايتين تنتهيان نهاية سعيدة تتماشى مع معايير المجتمع الذكوري، فـ"زهرة" ستجد رجلاً متفهماً يتقبل ابنتها وينتشلها من حالة القهر، و"لينا" ستعود لحبيبها وتتزوجه بعد أن تعرضت للخيانة وبعدما أجبرت على الإجهاض؛ فالرجل وحده من ينتصر في نهاية المطاف، والمرأة ستظهر في العرس الأخير الذي يتم ضمن صالون زهرة سعيدةً بهذا الانتصار.
العنف الأسري وحضانة الأطفال
بدو أن القضية الوحيدة التي ناقشها المسلسل على محمل الجد هي قضية العنف الأسري وحضانة الأطفال في القانون اللبناني، من خلال شخصية "ميسم" (أنجو ريحان)، التي كانت تتعرض للتعنيف يومياً من قبل زوجها، والتي كانت خاضعة ومستسلمة للأمر الواقع ولا تعترض لكي تستطيع البقاء مع أطفالها. الحكاية تتطور بشكل جيد بعد أن تدفعها أختها "زهرة" للتمرد على زوجها والانفصال عنه، ليعاقبها زوجها بحرمانها من أبنائها. هنا يسلط المسلسل الضوء على القوانين غير المنصفة بحق النساء والتي تحرمهن من حضانة أطفالهن، إلا أن المسلسل في نهاية يقدم حلا سحريا لهذه المشكلة لتناسب القصة مع كل النهايات السعيدة التي يرسمها، حيث يتراجع الزوج عن تصرفاته ويعود لرشده، ليتحول في الحلقة الأخيرة إلى رجل حضاري يسمح لطليقته بالتواصل مع أبنائها، بدلاً من تطوير الحكاية بالسياق الجيد الذي كانت تسير فيه والذي يطالب بتغيير القانون.