يحاول السياسيون الجمهوريون، عبر الإعلام، نزع الشرعية عن جلسة لجنة التحقيق في مجلس النواب الأميركي الخميس، حين أعلن رئيس اللجنة أنّ اقتحام مبنى الكابيتول شكّل "ذروة محاولة انقلابيّة"، وذلك خلال تقديمه أولى النتائج التي توصّل إليها بشأن دور الرئيس السابق دونالد ترامب في هجوم 6 يناير/كانون الثاني عام 2021.
وأعلن رئيس لجنة التحقيق في مجلس النوّاب الأميركي بيني تومسون، الخميس، خلال الجلسة الافتتاحية، أنّ اقتحام مبنى الكابيتول شكّل "ذروة محاولة انقلابيّة". وأضاف أن متظاهرين اقتحموا في ذلك اليوم مقرّ الكونغرس الأميركي بـ"تشجيع" من ترامب. وحذّر من أنّ المؤامرة التي كانت وراء الهجوم على مبنى الكابيتول تُشكّل تهديداً مستمراً للديمقراطيّة. وأكد أن "المؤامرة لإحباط إرادة الشعب لم تنته بعد. هناك متعطّشون للسلطة في هذا البلد (...) يفتقرون إلى الحبّ والاحترام لِما يجعل من أميركا عظيمة".
وعرضت اللجنة البرلمانيّة لقطات لم تُنشَر سابقاً لأحداث السادس من يناير عام 2021. تظهر مقاطع الفيديو هذه حشوداً تهاجم مقرّ الكونغرس وتدعو إلى "شنق" نائب الرئيس السابق مايك بنس، ومتظاهراً يقرأ تغريدات لترامب عبر مكبّر صوت، وذلك احتجاجاً على نتائج انتخابات عام 2020 التي فاز فيها جو بايدن.
في المقابل، أكد ترامب، الخميس، أن الهجوم على الكابيتول كان "أحد أعظم التحركات في التاريخ لإعادة عظمة أميركا". واعتبر أن هذه اللجنة "لم تفكر لدقيقة واحدة في سبب وصول الحشود إلى واشنطن بأعداد كبيرة"، وزعم أنها "ترفض تقديم بعض من الشهود الكثيرين والشهادات الإيجابية".
بينما بثت الشبكات التلفزيونية الأساسية في الولايات المتحدة الجلسة الأولى مباشرة، وذلك في ذروة أوقات المشاهدة، التزمت قناة فوكس نيوز، المملوكة لقطب الإعلام روبرت مردوخ، ببرمجتها المعتادة، وعرضت برنامج "تاكر كارلسون تونايت" للمقدّم الذي قال كثيرون إنه سيكون "خليفة ترامب". وقال كارلسون إن حقيقة ما حصل في 6 يناير لا تزال مجهولة، وإن الحقائق "حُرفت". ولم يوفر هجومه على الإعلام الأميركي الذي يركز على "الأكاذيب الكبيرة"، وفقاً له.
يوصف كارلسون بأنه شعبوي وعنصري ويميني ومروج لنظريات المؤامرة، وبأنه صوت الجمهوريين في الإعلام الأميركي. ووفقاً لتحقيق نشرته صحيفة نيويورك تايمز في 30 إبريل/نيسان الماضي، وعنوانه "هكذا أعاد تاكر كارلسون هيكلة فوكس نيوز وأصبح وريث ترامب"، فإن المقدّم يتصدر "القوى القومية التي تعيد تشكيل التيار الأميركي المحافظ". وأوردت الصحيفة الأميركية أن كارلسون ومنتجي برنامجه يروجون لفكرة "الترامبية"، وليس بالضرورة لترامب نفسه، عبر طرح كل أفكار الرئيس السابق وفي الوقت نفسه الحفاظ على مسافة منه.
وفور انتهاء الجلسة الأولى، بدأت "فوكس نيوز" بشيطنة النتائج التي أعلنتها لجنة التحقيق، عبر استضافة شخصيات متنوعة ركزت على تشويه سمعة الأعضاء في اللجنة، والتركيز على أن كل ما يحصل ليس إلا محاولة للقضاء على ترامب. الحليف القديم لترامب، المعلّق شون هانيتي، أطل على شاشة "فوكس نيوز" واصفاً عمل لجنة التحقيق بأنه "ليس إلا حملة أخرى لتشويه سمعة ترامب". وأضاف مصوباً على المؤسسات الإعلامية: "شبكتا التلفزيون الرئيسيتين ــ سي أن أن (وصفها بمروجة الأخبار الزائفة إسوة بتصريح سابق لترامب)، وإم إس دي أن سي، تبثان حملة جمع التبرعات الديمقراطية، المتنكرة في هيئة جلسة استماع حول 6 يناير، الأكثر مللاً (كررها مرتين). هذا العرض أنتجه مسؤول تنفيذي سابق في إيه بي سي. وهو إنتاج هوليوودي مائة في المائة. لكن انتبهوا، فلا حسن نية وراء جلسة الاستماع المزعومة هذه. هذا ليس تحقيقاً صادقاً حول الانهيار الأمني في ذلك اليوم المشؤوم (...) للأسف، من يديرون هذا السيرك لا تهمهم الأخطاء التي حصلت. ليسوا مهتمين فعلاً بما حدث. إنهم يتجاهلون عمداً المعلومات المهمة".
متابعو شون هانيتي لن يستغربوا تعليقاته هذه، فهو قد ظهر في إعلان لترشيح ترامب عام 2016، وعندما انتخب ترامب رئيساً، كان برنامج هانيتي على قناة فوكس نيوز ثابتاً في دعمه. في مايو/أيار عام 2018، ذكرت مجلة نيو يورك أن دعم هانيتي امتد إلى وراء الكواليس أيضاً، حيث اشتمل على جلسات منتظمة في وقت متأخر من الليل مع ترامب. هذا بالإضافة إلى تقديم هانيتي المشورة للرئيس بشأن التكتيكات السياسية. وفي إبريل الماضي، كشفت شبكة سي أن أن عن رسائل نصية تبادلها هانيتي مع رئيس موظفي ترامب، مارك ميدوز، خلال الأشهر الأخيرة له في المنصب. أشارت الرسائل إلى أن التقارب بين هانيتي وترامب لم يخفت خلال النصف الثاني من ولاية الأخير، بل كأن هانيتي أصبح جزءاً أساسياً من فريق الرئيس.
الشاشة نفسها استضافت سياسيين جمهوريين كرروا مزاعم ترامب بشأن تزوير الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وزعموا أن عمل اللجنة ليس إلا "محاولة من الديمقراطيين للتغطية على أجندتهم الكارثية". هكذا، يبدو أن فوكس نيوز ثابتة على موقفها من ترامب حتى النهاية، ولن يغير أي تحقيق أو "محاولة انقلاب" ذلك.