أزمة المهاجرين على تخوم الاتحاد الأوروبي تراوح مكانها، إذ اتهم الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، الاثنين، سلطات الاتحاد الأوروبي برفض أي حوار مع مينسك، حول مصير ألفي مهاجر عالقين على الحدود الشرقية للتكتل. ويخيم آلاف المهاجرين ــ معظمهم من الأكراد العراقيين ــ في ظروف قاسية منذ أيام عند حدود بيلاروسيا مع بولندا، على أمل دخول الاتحاد الأوروبي الذي يتهم مينسك بتنظيم تدفق آلاف المهاجرين، انتقاماً للعقوبات المفروضة عليها، إثر قمعها المستمر للمعارضة منذ 2020.
هذه الاتهامات المتبادلة لا تعفي مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديداً "فيسبوك"، من مسؤوليتها إزاء هذه الأزمة، فقد لعبت دوراً حيوياً في تضليل الأشخاص الذي وقعوا فريسة الوعود الفارغة من المستغلين والدجالين على شبكة الإنترنت.
منذ يوليو/تموز الماضي، شهد موقع "فيسبوك" ارتفاعاً "صاروخياً" في عدد صفحات وحسابات باللغتين العربية والكردية، تتعلق بالهجرة إلى الاتحاد الأوروبي، وفقاً لما كشفته رئيسة قسم الأبحاث والتحليل في شركة "سيمانتيك فيجنز"، مونيكا ريشتار، لصحيفة "نيويورك تايمز" الاثنين الماضي.
وقالت ريشتار: "فاقم موقع (فيسبوك) هذه الأزمة الإنسانية، والآن نحن أمام كل هؤلاء الأشخاص الذين أُحضروا وضُللوا صراحة وسُرقوا".
شركة الاستخبارات المتخصصة في مراقبة منصات التواصل الاجتماعي "سيمانتيك فيجنز" رصدت، منذ يوليو/تموز الماضي، عشرات المجموعات التي أنشئت على "فيسبوك" لتبادل المعلومات حول طرق الهجرة ويستخدمها المهربون للإعلان عن خدماتهم.
وفقاً للشركة نفسها، ارتفع عدد الأعضاء في مجموعة مغلقة تحمل اسم "هجرة الأقوياء من بيلاروسيا إلى أوروبا" Migration of the powerful from Belarus to Europe من 13600 في سبتمبر/أيلول الماضي إلى نحو 30 ألف حالياً. مجموعة أخرى تحمل اسم "بيلاروسيا أونلاين" Belarus Online ارتفع عدد أعضائها من 7700 إلى 23700، خلال الفترة نفسها. وعلى منصة "تيليغرام"، اجتذبت القنوات المخصصة لبيلاروسيا كطريق إلى أوروبا أيضاً آلاف الأعضاء.
أفاد الباحثون بأن المهربين شاركوا علانية أرقام هواتفهم وأعلنوا عن خدماتهم، على "فيسبوك"، بما في ذلك شهادات بالفيديو لأشخاص قيل إنهم وصلوا إلى ألمانيا بنجاح عبر بيلاروسيا وبولندا. في أحد المنشورات، أعلن واحد من المهربين عن "رحلات يومية من مينسك إلى ألمانيا على مسافة 20 كيلومتراً فقط سيراً على الأقدام". وحذر كاتب في منشور آخر، في 19 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، من أن الرحلة "ليست مناسبة للأطفال بسبب البرد". مهرب آخر يحمل اسم مستخدم Visa Visa على "فيسبوك" روّج لرحلات من بيلاروسيا إلى ألمانيا عبر بولندا، قائلاً إنها تستغرق من 8 إلى 15 ساعة، ومحذراً "لا تتصلوا إذا كنتم خائفين".
بدأ تدافع المهاجرين إلى بيلاروسيا على أمل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في وقت سابق من هذا العام، عندما خففت الجمهورية السوفييتية السابقة سياسات التأشيرات المشددة لبعض البلدان، لا سيما العراق. واستشعاراً لفرصة تجارية مربحة، بدأت شركات السفر في إقليم كردستان العراق بالإعلان على "فيسبوك" ومنصات أخرى عن توفر التأشيرات إلى بيلاروسيا. واستخدم المهربون وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لبيلاروسيا كباب خلفي يسهل الدخول منه لأوروبا.
وفي حديث لـ"نيويورك تايمز"، وصف محمد فرج (35 عاماً) العالق على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا، وهو كردي عراقي، الأخبار الكاذبة على "فيسبوك" بأنها "صبت الطين فوق رؤوسنا، ودمرت حياتنا". كردي آخر من العراق أعرب عن أسفه لأن أي مستوى من التدقيق في الحقائق "لن يمنع الناس من التشبث بقشة الأمل التي يوفرها (فيسبوك)".
من جهة ثانية، أكدت شركة "فيسبوك" التي صارت تعرف رسمياً بـ"ميتا" أنها تحظر المنشورات التي تسهل أو تروج لتهريب البشر، وأنها خصصت فرقاً لمراقبة واكتشاف المحتوى المتعلق بالأزمة. وأضافت أنها تعمل مع وكالات إنفاذ القانون والمنظمات غير الحكومية لمواجهة تدفق الأخبار الكاذبة المتعلقة بالهجرة.
وشددت في بيان وجهته لـ"نيويورك تايمز" على أن "تهريب الأشخاص عبر الحدود الدولية غير قانوني، ولا يُسمح بالإعلانات، أو المنشورات، أو الصفحات، أو المجموعات التي توفر أو تسهل أو تنسق هذا النشاط. نحن في (فيسبوك) نزيل هذا المحتوى فور أخذ العلم به".
لكن الأحداث في بيلاروسيا كشفت أن الشركة لا تزال تصارع في معركتها ضد المحتوى المحظور، خاصة المنشور بلغات غير الإنكليزية، علماً أن منصاتها استُغلت على نحو مشابه خلال أزمة الهجرة الأوروبية في 2015.
وتعليقاً على هذا الوضع، قال العضو في برلمان الاتحاد الأوروبي، السياسي الهولندي يورون لانيرز، إن الموقع الأزرق "لا يأخذ مسؤولياته على محمل الجد، وكنتيجة مباشرة لذلك، نرى أشخاصاً يائسين وسط البرد وفي الوحل، في غابة في بيلاروسيا، لأنهم آمنوا بالأخبار الزائفة التي وفرها لهم (فيسبوك)".