يشهد تطبيق "كلوب هاوس" إقبالاً واسعاً من العراقيين منذ أيام، إذ أطلقت نخب عراقية مختلفة، تضم ناشطين وصحافيين وباحثين وأكاديميين، دعوات إلى الانضمام إليه، مرحبين بالمنصة الجديدة، المحصورة حالياً بهواتف "آيفون"، لأنها تتيح الاستماع للأشخاص مباشرة، وتفتح المجال لطرح الأسئلة والأفكار وتبادل المعلومات، فضلاً عن كونها غير متاحة أمام الجيوش الإلكترونية التي تجتاح وسائل التواصل الاجتماعي في البلاد.
وتطلق لقاءات عدة بين العراقيين يومياً عبر "كلوب هاوس"، وتناقش مواضيع عامة اجتماعية وسياسية وحتى فنية. ويحرص القائمون على افتتاح غرف المحادثة على استقدام ناشطين وصحافيين ومثقفين، للاستماع إليهم وطرح آرائهم. وحرص آخرون على المشاركة في نقاشات من دول أخرى، يقولون إنها تفتح باباً لفهم قضايا المواطنين بعيداً عن وسائل الإعلام الرسمية.
يقول الناشط أحمد العبيدي إنه يواظب يومياً على دخول غرف نقاشات عراقية وجد فيها نخباً مهمة ومحترمة، تطرح مشروع العراق المدني ودولة المواطنة، وتعزيز الخطاب العراقي ضد الطائفية والعنصرية. ويضيف لـ"العربي الجديد" أن "التطبيق خال من الجيوش الإلكترونية التي اجتاحت موقعي (تويتر) و(فيسبوك)، وأغرقتهما بالشتائم والكراهية والعبارات المخجلة والصور غير الأخلاقية".
تطرح نقاشات سياسية وحقوقية في غرف الدردشة العراقية بعيداً من الجيوش الإلكترونية للأحزاب والمليشيات
وبيّن العبيدي أن عدداً من الصحافيين المهتمين بالتطبيق دشنوا غرف محادثة، وساهموا في استقطاب عدد كبير من العراقيين لهذه المنصة الجديدة وإقناعهم بأهميتها، عن طريق طرح حوارات تتعلق بالشأن العراقي عبرها، وتنتهي عادة بانطباعات مريحة بين المشاركين، لـ"رقي لغة الحوار، وحرص الجميع على تغليب مصلحة العراق ولا شيء غيره"، مشيراً إلى غرف "شكو ماكو" و"سوالف عراقية" التي شهدت نقاشات مهمة في الأيام الماضية.
هناء الحسيني، وهي صحافية وناشطة من مدينة النجف تعمل في العاصمة بغداد، تتوقع أن يتحول التطبيق منصة مهمة ومؤثرة في العراق. وتضيف لـ"العربي الجديد" أن "هناك إقبالاً ملحوظاً على (كلوب هاوس) رغم أنها غير متاحة حالياً للتحميل إلا عبر هواتف (آيفون). لكن يبدو أنها ستلعب دوراً لافتاً، وستجذب شرائح مهمة، فهي عملية ولا تحتاج لشبكة إنترنت قوية لتشغيلها، كما أنها قد تكون نافعة وسط جائحة فيروس كورونا، للتواصل داخل الجامعات والمؤسسات الصحافية والأكاديمية، فضلاً عن المنظمات والاجتماعات التي تتطلب الحصول على العصف الذهني من المشاركين".
وتؤكد الحسيني أن العراقيين يحتاجون لسماع أحدهم الآخر مباشرة، لأن "هامش الحرية ضاق" في "تويتر" و"فيسبوك"، بسبب دخول الأحزاب والجماعات المسلحة على خط مراقبة وقمع المستخدمين العراقيين، لذا "قد تكون مثل هذه اللقاءات النخبوية مهمة للغاية، كون التطبيق لا يتيح لأي أحد التحدث إلا بموافقة المسؤول في الغرفة النقاشية. أنصار الأحزاب والجماعات المسلحة لا يجيدون الحوار العلمي أو المنطقي، وعبر المنصات الأخرى يكتفون بالشتم أو التخوين والاتهام بالعمالة، خاصة لأنصار ودعاة العراق المدني".
وتصدّر الصحافي والكاتب العراقي عامر الكبيسي واجهة النشاط العراقي في التطبيق، عبر الدعوات التي وجهها إلى النخب العراقية للدخول والمشاركة فيه بكثافة، فضلاً عن تدشينه غرفاً عدة ساهمت في استقطاب باحثين وناشطين وصحافيين، وبدا لافتاً حضور العنصر النسائي.
الإقبال الملحوظ على "كلوب هاوس" بين العراقيين يؤكد حاجتهم إلى الحوار، بعدما ضاق هامش الحرية على "فيسبوك" و"تويتر"
يقول الكبيسي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "تجربة (كلوب هاوس) حتى الآن ثرية"، مضيفاً أن التطبيق فيه "انتقال من الشكل للسمع، ومن المظهر العام للمنطق والاسترسال وأدب الحوار، والأيام القلائل أظهرت سعة اطلاع في المجتمع، ولهفة المتلقي للحوار معهم، كذلك التزام جيد بأدب وثقافة وسلوك الحوار البناء".
ويضيف الكبيسي: "استمعنا كثيراً، وأظن أن كثيرين لاحظوا على سبيل المثال في هذه الأيام ضعف بعض المشاهير في المعلومات والبنية الفكرية السليمة للأمور، إذ أن منطقهم كان مختلفاً عن مظهرهم في المواقع الأخرى، وعكس ذلك تماماً، فقد ألهمنا أشخاص جدد لا نعرفهم، فظهروا بقوة المنطق والحجة". ويؤكد أنه "رغم قصر فترة خوضنا التجربة هذه، فقد حققنا التقاء أشخاص ونخب في غرف خاصة وتبادلوا الحوار، ولم يكن أحد منهم قد تواصل سابقاً مع الآخر. كان أول تواصل صوتي لهم علنياً وأمام الجمهور. وقد فاقت التجربة في آدابها وانسيابها مواقع التواصل الأخرى التي أفسدها ذباب الأحزاب والمليشيات والمال السياسي".