صدر مؤخّراً كتاب "لغة التصوير ولغة السينما: علاقة متبادلة" للمخرجة العراقية إيمان فارس، يتناول العلاقة بين التشكيل والسينما، مع تخصيص فصلٍ منه للمخرج المصري شادي عبد السلام (1930 ـ 1986)، وفيلمه "المومياء" (1969).
تأخذ العلاقة بين التشكيلي والسينمائي شكلها، من خلال العلاقة التبادلية بينهما. للبعد التشكيلي حيّزٌ مهمّ في إطار الصورة السينمائية، ويُساهم في التأثير الجمالي بأشكال عدّة. الأمر نفسه يمكن تناوله لكنْ بقراءة معكوسة، تقول إنّ المكوّن السينمائي في التشكيل يزداد حضوراً، في زمن الصورة، الذي يتواجد بأشكاله كلّها، بفضل التطوّر التكنولوجي.
تقول إيمان فارس إنّه يمكن تناول البُعد التشكيلي للصورة السينمائية من خلال نظريات واتجاهات سينمائية، تنفتح على النقدين الأدبي والسينمائي، كما على الفلسفة والسوسيولوجيا وتاريخ النقد. تتجلّى العلاقة عبر أشكالٍ تعبيرية بصرية أخرى، كـ"الفيديو آرت". كما أنّها تسعى إلى دراسة توظيف مكوّنات اللوحة التشكيلية وعناصرها في الفيلم السينمائي، وتكشف عن الدورين التقني والتجريبي في إنشاء مُكوّنات العمل الفني، وتوظيفه في وسيطٍ آخر، كما عن أثر الأسلوب الفني في تجديد أبعاد اللوحة التشكيلية، وتوظيفها سينمائياً.
طبعاً، هناك فروقات واضحة بين هذين الوسيطين، السينما والتشكيل. فالسينما فنّ يُعبّر عن الواقع بالواقع نفسه، عبر أشياء وكائنات مستلّة منّه. هذا يختلف عن الفنون الأخرى، ومنها التشكيل، إذ تُعبّر عن الواقع بإشارات ورموز مختلفة وعديدة.
بالنسبة إلى العلاقة بين المتلقّي والعمل الفني، ترى فارس أنّ هناك مسافة بين اللوحة والمتلقي، مرسومة ومعيّنة سلفاً، وأنّ هناك إدراكاً لدى المتلقّي بأن ما يوجد أمامه، أكان قابلاً للفهم أو غامضاً، "صورة" للواقع لا يُمكن إطلاقاً مطابقتها مع الحياة، حتى ولو كانت شبيهة بالحياة، أو تحاكي الحياة الواقعية بدقّة تامّة.
يستعرض الكتاب المُصاهرة البصرية بين اللقطات وعوالم اللوحات في أفلام عددٍ من المخرجين، مُشيراً إلى أنّ بعضهم تأثّر بالتصوير، كالأميركي روبن ماموليان، المتأثّر باللوحات الإسبانية، وستان براكهيج، المتأثّر بالرسم التعبيري، بالإضافة إلى الايطالي لوكينو فيسكونتي والإنكليزي ستانلي كوبريك، وآخرين. في هذا الإطار، تُسلّط فارس ضوءاً على صورة الفنان التشكيلي في السينما، أي سيرته الحياتية وأسلوب عمله، فاختارت 4 أفلام تختلف عن بعضها البعض بكل شيء، لكنْ يجمعها رابط الاشتغال على اللون، فقط: الفرنسية سيرافين دوسانليس، والهولندي فنسنت فان غوغ، والسوري فاتح المدرس، والعراقي جبر علوان.
كما خصّصت المؤلّفة فصلاً عن شادي عبد السلام، الذي بدأ حياته فناناً تشكيلياً ومُصمّم ديكورات، وكان مُساعداً للمهندس الفني رمسيس واصف عام 1957، قبل أنْ يُصبح مُساعداً لمُخرجين عرب وأجانب، أبرزهم المصري صلاح أبو سيف، وشارك في الفيلم البولندي "الفرعون"، لكافليرو فيتش، الذي يُعتَبر بدايته الحقيقية في السينما.
اختارت إيمان فارس المخرج عبد السلام، بسبب القيمة التشكيلية في "المومياء". ذلك أنّ غالبية الأفلام العربية تفتقر إلى الناحية التشكيلية، باستثناء عدد قليلٍ منها. وتشير إلى القيمة الفنية للفيلم، باعتباره محاولة فريدة ونادرة في السينما العربية، لاحترامه القيمة التشكيلية في كلّ لقطة. فعبد السلام قدّم قواعد التكوين بأفضل صُورها، من توزيع الأجسام والمساحات، واضعاً الخطوط ـ الحركة داخل الكادر: "من المؤكد أنّ أول ما يخرج به المشاهد، هو التأثّر بروعة المرئيات إلى حدّ الخيال. فأغلب اللقطات الفردية لا تُنسى، مثل لقطة جنازة الرجل العجوز، حيث تنتشر البتلات الأرجوانية على الارض، وتتحوّل الشاشة كلّها إلى اللون الأرجواني. أو لقطة الشاب بين حيطان المعبد، وهي مُصوّرة من أعلى مباشرة، بحيث يصبح هو الشيء الوحيد المتحرّك وسط هذا التشكيل الرائع من الحجارة الذهبية".
اعتمد شادي عبد السلام، في تحقيق رؤيته الفنية، على عناصر أساسية مهمة، تتناولها إيمان فارس بالتفصيل، خاصة بالنسبة إلى أسلوب الرسم، مُحوّلاً الصورة من تصوير يدويّ إلى تصوير بالضوء.