"ميتافيرس" عالم رقمي يمكنكم أن تعيشوا فيه حياة موازية من دون مغادرة المنزل. هكذا تصف "فيسبوك" والشركات العملاقة الأخرى القفزة الكبيرة التالية في تطور شبكة الإنترنت. وتعد هذه الشركات بنقل التجارب كلها افتراضياً إلى منزلك، من الوظيفة إلى تناول الطعام والتسوق واللعب والمشاركة في الأنشطة. ولسوء الحظ، فإنّ المقبلين على هذه الحياة الموازية لا يسلمون من التحرش اللفظي والجسدي وحتى الاغتصاب.
غيّر مارك زوكربيرغ اسم شركته من "فيسبوك" إلى "ميتا" العام الماضي، في إشارة إلى أنّ مستقبل أعماله يكمن في "ميتافيرس"، وهو مفهوم يتحد فيه العالمان المادي والرقمي عبر الواقع الافتراضي والواقع المعزز. ويتكوّن عالم "ميتافيرس" من مجموعة من الأكوان المتوازية، يمكن الوصول إليها بشكل أساسي عبر منصات الواقع المعزز والافتراضية. وهو موجود حالياً بطريقة مبسطة على شكل ألعاب فيديو مثل التي طرحتها "روبلوكس" و"فورتنايت" و"ماينكرافت"، ومنصات اجتماعية مثل "هورايزون وورلدز" حيث يجتمع الناس ليس فقط للعب وإنما أيضاً للتفاعل والمشاركة في أنشطة.
"هورايزون وورلدز" أطلقتها "فيسبوك" للمستخدمين في الولايات المتحدة وكندا في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وبات عدد مستخدميها أكثر من 300 ألف في تلك المنطقة، وفقاً لمقال نشره الموقع المتخصص "ذا فيردج" في فبراير/ شباط.
وبعد وقت قصير من إطلاق "هورايزون وورلدز" انتشرت تقارير عن تحرش إلكتروني في مواقع إخبارية ومدونات ومنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي. وكتبت إحدى المستخدمات في تدوينة عن تجربتها: "بعد 60 ثانية من انضمامي للشبكة، تعرضت للتحرش اللفظي والجنسي. تجربة مروعة حدثت بسرعة كبيرة وقبل أن أفكر في وضع حاجز الأمان في مكانه. وقفتُ عاجزة عن التصرف". واشتكى مستخدم آخر من ملامسته عبر الإنترنت، ودعا إلى فقاعة واقية حول الصورة الرمزية (أفاتار). وقال المستخدم: "التحرش الجنسي ليس مزحة على الإنترنت العادي، لكن الوجود في الواقع الافتراضي يزيد من حدة الأمر".
انتشرت تقارير عن تحرش إلكتروني في منصة "هورايزون وورلدز"
هذه التقارير دفعت "فيسبوك" إلى بدء اعتماد حد أدنى للمسافة بين التجسيدات الرمزية (أفاتار) للمستخدمين في شبكة "هورايزون وورلدز". وعلى هذه المنصة الانغماسية التي تسمح للأشخاص بإقامة علاقات اجتماعية افتراضياً، أصبحت خاصية Personal Boundary (الحدود الشخصية) تتيح للمستخدمين ترك مساحة فاصلة بين تجسيداتهم الرمزية والآخرين.
وكتب نائب رئيس "هورايزون وورلدز"، فيفيك شارما، حينها أن "الحدود الشخصية تمنع أي شخص من غزو المساحة الشخصية لصورتك الرمزية. إذا حاول شخص ما التعدي على حدودك الشخصية، سيوقف النظام حركته عند وصوله إلى الحد". وأوضح أن خاصية الحدود الشخصية ستعمل تلقائياً كإعداد افتراضي، مشيراً إلى أنه سيظل في إمكان المستخدمين الضرب بقبضاتهم أو التفاعل بواسطة اليدين.
تضم "هورايزون وورلدز" أصلاً ميزة لمكافحة التحرش تجعل أيدي الصورة الرمزية تختفي إذا حاولت لمس شخصية افتراضية أخرى بشكل غير لائق، وفقاً لمؤسسيها.
وجدت الأبحاث التي أجراها "مركز مكافحة الكراهية الرقمية"، في ديسمبر، نحو مائة انتهاك محتمل لسياسات "ميتا" للواقع الافتراضي في غضون 11 ساعة و30 دقيقة. بالإضافة إلى التحرش والاعتداء الجنسيين، تضمن السلوك المسيء الذي أبرزه التقرير العنصرية والتسلط والتهديدات بالعنف و"المحتوى الذي يسخر من هجمات 11 سبتمبر/ أيلول الإرهابية".
وقال رئيس الأبحاث في المركز كالوم هود: "كان واضحاً منذ بداية بحثنا أن المحتوى الجنسي المفرط شائع في ميتافيرس، ويتجلى ذلك أيضاً في شكل عنف جنسي. لقد شاهدنا عدداً من المستخدمين ينفذون تحرشاً جنسياً افتراضياً بحق مستخدمين آخرين، وسجلنا أدلة على استهداف المستخدمين بتهديدات بالاغتصاب".
فشل منهجي في حماية النساء من العدائية والكره تجاههن
وهذه ليست المرة الأولى التي تسجل فيها مضايقات لنساء عبر شبكة الإنترنت، وتحديداً على منصات "فيسبوك" التي تشمل "إنستغرام" و"واتساب" و"ماسينجر". إذ كشف تقرير أصدره "مركز مكافحة الكراهية الرقمية"، الأسبوع الماضي، عن "فشل منهجي" في حماية النساء من العدائية والكره تجاههن، بعد رصد آلاف الرسائل الموجهة مباشرة إلى شخصيات شهيرة من النساء على منصة "إنستغرام".
التقرير حلّل أكثر من 8 آلاف رسالة وجهت إلى 5 من مستخدمات "إنستغرام" الشهيرات: الممثلة أمبر هيرد، ومقدمة البرامج التلفزيونية رايتشل رايلي، والناشطة جيمي كلينغر، والصحافية بريوني غوردون، ومؤسِّسة مجلة "برنت روتي" شاران داليوال.
وقال معدو التقرير إنهم وجدوا موجة من الإساءات المعادية للنساء، وأشاروا إلى طرق مختلفة أهملت فيها "إنستغرام" معالجة هذه القضايا. تشمل المخاوف حقيقة أن المستخدمات غير قادرات على الإبلاغ عن الرسائل الصوتية المسيئة المرسلة إليهن، ولا يمكنهن الإبلاغ عن الرسائل المرسلة في "وضعية الاختفاء" (vanish mode) - عندما تعرض الصورة لفترة وجيزة قبل اختفائها - من دون مشاهدتها، ويكافحن من أجل تحميل دليل على الرسائل المسيئة. تسمح "إنستغرام" أيضاً للغرباء بإجراء مكالمات صوتية مع نساء لا يعرفنهن عبر الرسائل المباشرة. وقال رئيس "مركز مكافحة الكراهية الرقمية"، عمران أحمد، إن "هناك وباء من إساءة المعاملة المبنية على كره النساء في صندوق الرسائل المباشرة. على (ميتا) و(إنستغرام) تغليب حقوق المرأة على الربح".
وسلط التقرير الضوء على صعوبة تحميل بيانات الرسائل المباشرة للإبلاغ عن الإساءات، وقالت الممثلة أمبر هيرد إن ميزة الإبلاغ في "إنستغرام" ليست سهلة الاستخدام. وعلى الرغم من أنّ التقرير اطلع على الرسائل المباشرة لعدد قليل من المستخدمات البارزات، فإن الباحثين يقولون إن النتائج تؤكد حقيقة ما تعيشه النساء على المنصة، حيث توجه إليهن تهديدات بالقتل ومضايقات ومقاطع فيديو وصور عارية غير مرغوب فيها. وقالت رئيسة قسم سلامة المرأة في "ميتا"، سيندي ساوثوورث، إنه في حين أن الشركة لا تتفق مع "العديد من استنتاجات المركز" إلا أنها توافق على أن "التحرش بالنساء أمر غير مقبول". وأضافت: "لا نسمح بالكراهية القائمة على النوع الاجتماعي أو أي تهديد بالعنف الجنسي، وأعلنا العام الماضي عن تدابير حماية أقوى للشخصيات العامة من النساء". أبرز الإجراءات التي قصدتها ساوثوورث هي توفير صندوق بريد وارد منفصل للرسائل الموجهة من مستخدمين غير معروفين وأدوات لتصفية الرسائل التي تحتوي على كلمات وعبارات مسيئة شائعة.
تحظر إرشادات المجتمع في المنصة "التشجيع على العنف، أو مهاجمة أي شخص على أساس العرق، أو السلالة، أو الأصل القومي، أو الجنس، أو النوع، أو الهوية الجنسية، أو التوجه الجنسي، أو الانتماء الديني، أو الإعاقة، أو الأمراض". لكن "مركز مكافحة الكراهية الرقمية" رصد تهاوناً في التصدي للمنشورات المخالفة.
عام 2020، وجد أكبر استطلاع عالمي على الإطلاق حول العنف عبر الإنترنت أن واحدة من كل 5 فتيات (19 في المائة) غادرت أو قللت بشكل كبير من استخدام منصة التواصل الاجتماعي بعد تعرضها للتحرش، في حين أنّ واحدة من كلّ 10 (12 في المائة) غيرت الطريقة التي اعتادت التعبير بها عن نفسها. وقالت نساء شاركن في الدراسة إنّهن لم يعدن يشعرن بالأمان عند استخدام "إنستغرام".
وبينت الدراسة أن الهجمات أكثر شيوعاً على موقع "فيسبوك" (39% من إجمالي المضايقات)، ثم "إنستغرام" (23%)، و"واتساب" (14%)، و"سناب شات (10%)، و"تويتر" (9%)، وأخيراً "تيك توك" (6%).