تبحث كاميرا المخرج البولندي، جيكوب بياتيك، في فيلمه "وقت الذروة" Prime time، الذي انطلق عرضه قبل أيام على منصة "نتفليكس" عن قضايا إنسانية مهمشة، وأخرى سياسية واجتماعية تحاكي الواقع البولندي. يستطيع الفيلم، بمحتواه الدرامي، الإحاطة بها كاملةً، من دون الوقوع في فخ التجربة المباشرة.
يميل العرض، بمحتواه السينمائي، إلى النوع الملتزم. محاكاة مكثفة لواقع، لا يبدو كما هو عليه في شبكات التلفزيون والإعلام المحليتين، اللتين تخضعان جملة وتفصيلاً لرقابة الدولة وهيمنتها، منذ انسلاخ البلاد عن الهيمنة الشيوعية عام 1989. فالسخرية ستتجلى من خلال الجوائز التي تعرضها إحدى القنوات المحلية عبر برنامجها الخاص المعدّ لاحتفالية ليلة رأس السنة لعام 2000، تزامناً مع اقتحام سيباستيان، بطل القصة، أجواء الإستوديو.
البطل الشاب يريد بث رسالة متلفزة بقوة السلاح. هو قلق ومرتبك وأمامه اثنان من الرهائن اللذين سيضيفان مستويين من المضامين: مقدمة البرنامج ميرا كريلي، التي كانت ستتخذ إدارة إنتاج البرنامج من مقدمة شابّة بديلة عنها، بعد تقدم الأولى في العمر، وهو اتهام مباشر لسياسة القنوات في عملية إنكارها للخبرة والمجهود طويل الأمد. وحارس الأمن التعيس غريزوش. فهذا الأخير، نسخة مازوخية من حيث الشكل، حالمة في التغيير والإصلاح من حيث المضمون، بشكل يتماهى أخلاقياً وعاطفياً مع متطلبات البطل المراهق.
لا تتناسب أخلاق سيباستيان مع المغامرة التي افتعلها. ولا تقاس هذه المغامرة بشرط الحدث الدرامي بقدر ما تقاس بالقضايا التي تنشدها وتريد تسليط الضوء عليها. فهو وإن يعاني من اضطرابات شخصية ونفسية، دفعته محاولات رجال الشرطة والمحققين إلى إبراز أفكاره وتغليف القضايا العامة مثل هموم الشباب والجامعيين والعمال والإعلاميين، إضافة إلى عنف السلك الأمني، ضمن إطار الأزمة قصيرة المدى. غير أنّ رسالة البطل، التي لن نتعرف على مضمونها لفشل المهمة نهاية الأمر، ستغدو، من خلال معطيات الصراع، كشفاً عن واقع إعلامي مخادع وسطحي. ودور أمني ناضج ومسؤول شكلاً، وعنيف ومتزمت مضموناً. ولن نفوت الحديث الذي يدور بين البطل وأبيه الذي ينم عن مشاكل عائلية لها الدور الأبرز في ضياع الشباب.
خلطة مركبة يتعامل معها بياتيك. وقد يتساءل المشاهد في بعض الأحيان: ما القضية المحورية التي يرتكز عليها العمل؟ إشارات ورسائل هنا وهناك. قضايا نفسية واجتماعية وسياسية ومالية وشخصية. لا رابط بينها. كطرح الممثل مساوئ مشاهدة التلفزيون لساعات متواصلة يمكن استغلالها في أعمال أخرى أكثر أهمية وفائدة. علاوة على ذلك، اختيار عرض الفيلم قبل أيام قليلة من حلول ذكرى 11 يوليو/ تموز (اليوم الوطني لإحياء ذكرى ضحايا الإبادة الجماعية للسكان البولنديين على يد القوميين الأوكرانيين في منطقة "بولين" شمال غربي أوكرانيا عام 1943). قد يكون الأمر متعلقاً باستثمار ذاكرة لها وقع أخلاقي في عقول وقلوب البولنديين، يمهد المخرج من خلالها، لقضاياه الأخرى التي يبحث عن منفذ لها، أمام جملة الأحداث والمشاكل التي سيقع فيها سيباستيان لنقل تلك الأحداث بشكل يساهم في تركيب الصورة والسرد، على حساب الزمن الدرامي الذي تم اختياره ليكون في اليوم الأخير من الألفية الثانية. حيث توجس العالم أجمع يومذاك من مخاوف وكوارث طبيعية تبعاً لأفكار ومعتقدات دينية وميثولوجية عن انهيار العالم ونهايته.
وهنا ستلتقي عبثية الحكاية وتوقيتها مع عبثية الخاطف والرهينتين في مشهد الرقص الغريب، الذي سيجمع ثلاثتهم، بقصد السخرية من الواقع الحاضر، واستهزاءً ببرجوازية الإعلام واشتراكية النظام الأمني.