أثار الفيلم الوثائقي Roadrunner: A Film About Anthony Bourdain، إنتاج 2021، عن الطاهي العالمي ومقدم البرامج والكاتب أنتوني بوردين (1956 - 2018)، بين صنّاع الأفلام، جدلاً حول استخدام المخرج الأميركي، مورغان نيفيل، تقنية الذكاء الاصطناعي لإنتاج صوت الراحل بوردين، واستخدامه في الفيلم ثلاث مرات، من دون الإشارة إلى ذلك.
وضع بطل الفيلم، بوردين، حدّاً لحياته في عام 2018، أثناء تصويره حلقة تلفزيونية من برنامجه "بلا تحفظات"، على شبكة CNN، في مدينة ستراسبورغ الفرنسية، وكان الراحل، حينها، من أنجح وألمع نجوم المجتمع الغربي؛ إذ يتابع برامجه عن الطبخ والطعام والثقافة ملايين المشاهدين في كل حلقة، فضلاً عن إطلالاته كمحكم متميز في برامج مسابقات الطبخ واختيار الطهاة.
شاهدت الفيلم بدعوة من "مؤسسة الدوحة للأفلام". وكان صادماً بالنسبة لي أن ينتحر بوردين. يظهر ذلك في اللقطات الأولى من الفيلم، ليوظف المخرج بعدها كلّ المشاهد للإجابة عن سؤال: لماذا انتحر بوردين وهو يملك كلّ أسباب الحياة؟
رصدت الكاميرا كلّ تفاصيل حياة بوردين، وكأن الكاميرا كانت تلازمه حتى قبل عمله مقدماً لبرامج السفر والطعام. استطاع المخرج أن يظهر لنا الوجه الآخر للنجاح والشهرة والمتعة، وكذلك استطاع التقاط التغير الذي طرأ على شخصية هذا الفنان الحالم؛ ابتداءً من تقديمه للطعام الفاخر، وتذوق الوجبات اللذيذة، وصولاً إلى مزج ثقافة الطعام بالوضع السياسي والمعيشي والاجتماعي، عبر جولاته. يقول الطاهي: "أسافر حول العالم وأتناول الكثير من القرف، وأفعل ما أريده".
في برامجه الأولى، كان يركز على تذوق الطعام وطهيه، ولكنه غيّر ذلك لاحقاً، ليتحدث عن الموسيقى والشعر والرواية والسياسة، ضمن ثقافة الطعام؛ فحاور الكثير من الموسيقيين والسياسيين على طاولة الطعام. ومن هذه اللقاءات، واحد في فييتنام، في عام 2016، حيث حاور الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، في مطعم فييتنامي محلي، وهما يتناولان البيرة.
عمل أنتوني بوردين كطاه في مطعم راق في مانهاتن الأميركية، وكتب عدة مقالات، مثل مقاله الشهير "لا تأكل قبل أن تقرأ هذا"، متحدثا عن كواليس المطاعم، ثم ألف عدة كتب عن عمله وأسرار المطبخ وإبداعات وإخفاقات الطباخين، لكنه نال شهرة كبيرة بعد أن حقق كتابه، "مغامرات في عالم الطهي"، أعلى المبيعات في عالم الكتب، عام 2000؛ فبدأ بتقديم البرامج التلفزيونية عن الطعام والسفر، ومنها برنامج "جولة طاه"، و"بلا تحفظات"، و"أماكن غير معروفة".
تناولَ الأطباق المحلية المختلفة، مثل السجق الأسود في فنلندا، وخصي الأغنام في المغرب، وبيض النمل في المكسيك، وأفعى كوبرا كاملة، ومقلة عين الفقمة، وقلب ينبض، وقرش مخمر في آيسلندا، وشرج الخنزير في ناميبيا واصفاً إياه بالوجبة الأسوأ في حياته. ولاحقاً، صرح بأنّ "تشيكن ماك ناغت" كانت أكثر الأطعمة قرفاً بالنسبة له، تعبيراً عن موقفه من ثقافة "الفاست فود". كما اشتهر بوردين بتعليقاته الساخرة عن النباتيين، معتبراً نمط حياتهم فظاً.
أثر عمله واضطراره إلى السفر 250 يوماً في العام الواحد على حياته الشخصية، وأدى ذلك إلى انفصاله عن زوجته الثانية وطفلتهما. وربما كان هذا أحد أسباب انتحاره، والذي وصفه أحد أصدقائه في الفيلم: "مأساة بلمسة من القدر".
يعتبر مخرج الفليم مورغان نيفيل من ألمع صنّاع الأفلام الوثائقية عن السير الشخصية؛ فقد فاز بأوسكار أفضل فيلم وثائقي 2014 عن فيلم 20 Feet from Stardom، ورشح فيلمه الوثائقي "أفضل الأعداء" للأوسكار 2016. يدور الأخير حول المناظرات التلفزيونية بين المفكرين، جورج فيدال وويليام باكلي، خلال الانتخابات الرئاسية عام 1968.
وكان فيلم "ألن تكون جاري؟" عن مقدم البرامج فريد روجرز (2018)، من أكثر الأفلام الوثائقية تحقيقاً للأرباح.
يختصر مورغان عمله بعبارة: "كيف لقصة قصيرة أن تكون نافذة مثالية للصراعات داخل النفس البشرية؟".