بعيداً عن حقيقة ما جرى على وجه الدقة في قضية آمال ماهر، فقد استطاع النظام المصري أن يستغل شائعة "اختفاء" المغنية استغلالاً جيداً وعلى مدار أيام طويلة، في عملية "إلهاء" منظمة للجماهير، قبل أن تظهر هي إلى العلن وتؤكد أنها بخير.
وقال مصدر مطلع لـ"العربي الجديد" إنه "بعيداً عن تفاصيل ما جرى للفنانة آمال ماهر، فإن الأجهزة التي تدير وسائل الإعلام في مصر، استغلت الواقعة جيداً، وقدمتها كوجبة دسمة على مائدة الشائعات والأحاديث المتواصلة على وسائل التواصل الاجتماعي التي لا طائل منها ولا تؤدي إلى نتيجة سوى ضياع الوقت". أما في الواقعة نفسها، فأكد المصدر أنه "ممنوع على جميع وسائل الإعلام التابعة للمخابرات العامة نشر أي أخبار خاصة بالفنانة آمال ماهر منذ فترة طويلة، حرصاً على عدم إغضاب رئيس الهيئة العامة للترفيه السعودية تركي آل الشيخ الذي يحتكر قانوناً الفنانة".
ورجح المصدر أن "يكون شخص أو جهة ما قريبة من آمال ماهر هو من أطلق الشائعة في البداية، بهدف تحريك المياه الراكدة منذ فترة، وإثارة قضية منعها من الظهور والتأثير على المسؤولين، وأنه مع تصاعد حالة الجدل على وسائل التواصل الاجتماعي، اضطرت الأجهزة إلى أن تستضيفها لتعلن أنها بخير".
بدأت قصة آمال ماهر عندما انتشر منشور على وسائل التواصل الاجتماعي قبل أيام، يزعم أن ضابطاً سرب أخباراً عن احتجازها لدى جهة أمنية وتعرضها للتعذيب بناء على رغبة رئيس الهيئة العامة للترفيه السعودية تركي آل الشيخ الذي كان يرتبط بعلاقة زواج بالمطربة، عقاباً لها على ابتعادها عنه ورفضها المضي في العلاقة.
انتشرت الشائعة كالنار في الهشيم على مواقع التواصل، وأصبحت القضية الأكثر تداولاً، وأخذ ناشطون ومواطنون يتفاعلون مع وسم "#آمال_ماهر_فين" وعبروا عن غضبهم من إخفائها وطالبوا بظهورها. ساعات قليلة ونشر الحساب الرسمي للفنانة صوراً لها على شاطئ البحر، مصحوبة بتعليق "وحشتوني"، لكن ذلك لم يطفئ النار، بل على العكس أثارت الصور شكوكاً بين الجماهير التي طالبت بظهور الفنانة بشخصها، لا سيما مع انتشار أقوال حول أنها لا تسيطر على حساباتها الرسمية على مواقع التواصل، وبالتالي يمكن أن يكون شخص ما هو من نشر الصور. استمر الأمر كذلك لعدة أيام، من دون أي تعليق من جانب الفنانة، حتى صدور بيان من نقابة الموسيقيين يقول إن النقيب هاني شاكر تواصل مع أسرة آمال ماهر، وأكدت له أنها بخير. لم يطفئ بيان نقابة الموسيقيين، أيضاً، النيران التي أشعلتها شائعة إخفاء وتعذيب الفنانة الشابة، لكنه زادها اشتعالاً، إذ روج البعض لفكرة أنه "لو فعلاً آمال ماهر بخير، فلماذا لا تخرج بنفسها لتطمئن جمهورها"، وانتشرت هذه النظرية بالفعل بين الجماهير كما أريد لها أن تنتشر، وظلت التساؤلات حول مصير آمال ماهر تتردد بقوة.
وأخيراً ولسبب غير معلوم، ظهرت آمال ماهر في فيديو حصري لموقع اليوم السابع الذي يتبع بشكل مباشر شركة المتحدة للخدمات الإعلامية المملوكة لجهاز المخابرات العامة، وقالت إنها بخير، لكنها كانت تعاني من أثر إصابتها بفيروس كورونا، وشكرت جمهورها لاهتمامه بها والسؤال عنها طوال هذه المدة، واعتذرت لأنها لم تقم بالرد قبل ذلك لأنها كانت مريضة.
هدأت قصة آمال ماهر بعد هذا الفيديو لبرهة، لكن هناك من أراد للقصة ألا تهدأ، إذ روج البعض أن "هيئة الفنانة آمال ماهر في الفيديو، تدل على أنها تعرضت للضرب والتعذيب"، كما روج البعض الآخر أن "الفيديو تمت عليه عمليات (مونتاج) وأنه مجتزأ من تسجيلات سابقة للفنانة"، ووصل الأمر إلى انتشار أقاويل عن "أن من ظهرت في الفيديو ليست آمال ماهر، بل (دوبليرة) بديلة عنها". ترك الأمر عند هذا الحد، حتى أعلن المذيع رامي رضوان، المقرب من الأجهزة الأمنية، أن الفنانة آمال ماهر ستظهر معه خلال برنامجه "مساء DMC" الذي يقدمه على قناة DMC المملوكة أيضاً للمخابرات العامة، لكن الجميع فوجئ بأن ظهور آمال ماهر في البرنامج اقتصر على مداخلة هاتفية، أخذ خلالها رضوان يسخر من تعليقات الناشطين والمواطنين على شائعة اختفاء الفنانة، وينتقد كثرة الحديث عن الموضوع بين الناس.
مصدر مطلع عمل سابقاً في إحدى المؤسسات التابعة لـ"المتحدة للخدمات الإعلامية" أكد في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن الأجهزة الأمنية "خبرت أهمية وتأثير اللجان الإلكترونية منذ فترة طويلة، ولذلك استثمرت في هذا المجال، ولديها الآن الكثير من اللجان والخلايا النشطة على وسائل التواصل الاجتماعي، لها أهداف متعددة، منها أولاً الدفاع عن النظام والترويج لسياساته، وأيضاً الهجوم على المعارضين وتشويههم". وأضاف المصدر أن "من بين اللجان الإلكترونية التي تشغلها الأجهزة الأمنية، وخاصة المخابرات العامة، هناك لجنة خاصة بإطلاق الشائعات، وعادة فإن الذين يعملون في هذه اللجان، لا يعرفون الهدف من وراء الموضوعات التي تأتيهم من المشرفين على اللجنة، ويقومون فقط بنشر الموضوع كما هو". وأضاف المصدر أنه أحياناً "ما يطلب المسؤولون عن تلك اللجان نشر الشائعة فقط، من دون الرد عليها، وأحياناً أخرى، يتم نشر الشائعة ثم يتم الرد عليها، إما عبر لجان أخرى على مواقع التواصل الاجتماعي، أو من خلال وسائل الإعلام التابعة للأجهزة، أو رسمياً من خلال بيانات مجلس الوزراء".
وحكى المصدر الذي كان مشرفاً داخل أحد المواقع الصحافية التابعة للاستخبارات موقفاً طريفاً حدث ذات مرة، عندما وردهم في الموقع نفي لشائعة ما، لم تكن قد نشرت بعد على وسائل التواصل الاجتماعي، نتيجة خطأ في التنسيق بين لجنة الشائعات والمسؤول عن النشر.
وقال سياسي مصري مخضرم إن الأجهزة الأمنية المصرية تجيد هذه اللعبة منذ عهد الضباط الأحرار الذين وصلوا إلى الحكم سنة 1952، وتستخدمها دائماً للتشويش على حوادث جسيمة، ولكن الوسائل اختلفت بطبيعة الحال الآن، ففي السابق كانت تطلق الشائعات إما بواسطة الصحف أو عبر "النميمة" في أوساط الجماهير، أما الآن فتغير الحال مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيرها الواسع وسرعة انتشار الأخبار عليها. لم يستبعد المصدر أن تكون الأجهزة الأمنية "قد تلقفت قصة آمال ماهر، ونفخت بها لكي تثير الجدل بين الجماهير لفترة معينة، من أجل التغطية على أحداث وكوارث كبرى تحدث حالياً، مثل كارثة الانهيار الاقتصادي الذي يهدد البلاد، أو مشروع التحالف العسكري الشرق أوسطي الجديد التي ستكون إسرائيل قائدة له، أو كارثة شروع إثيوبيا في الملء الثالث لسد النهضة الذي يهدد مصر بالجفاف".