- لويس أجرى تغييرات داخلية تضمنت خططًا لإطلاق قسم جديد وبرنامج للمغادرة الطوعية، مما أدى إلى استقالة رئيسة التحرير سالي بازبي ومحاولة فاشلة لجلب زملاء سابقين من داو جونز بسبب اتهامات أخلاقية.
- تحديات سمعة واشنطن بوست تتزايد بفعل جدل حول ممارسات لويس السابقة، مما يثير تساؤلات حول قدرة بيزوس على إدارة الأزمة والحفاظ على مصداقية الصحيفة، ويجعل مستقبلها موضوع اهتمام وتساؤل.
أعلنت صحيفة واشنطن بوست عن تعيين البريطاني ويل لويس رئيساً تنفيذياً وناشراً خلفاً لفريد رايان، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023. كان مالك الصحيفة ورجل الأعمال الأميركي الشهير جيف بيزوس يأمل أن ينتشل هذا التعيين "واشنطن بوست" من أزماتها، إذ إنها سجلت خسائر بلغت نحو 77 مليون دولار، بالإضافة لخسارتها نصف جمهورها منذ عام 2020، حسب ما أعلن الناشر الجديد. لكن المفاجأة أن اسم ويل لويس يتصدر المواقع الإخبارية الأميركية بوصفه متهم بالإقدام على ممارسات غير أخلاقية لجمع الأخبار خلال عمله في بريطانيا، وهو ما يضرب صحيفة واشنطن بوست في مقتل.
بدأ الناشر الجديد ترتيب الأوضاع من الداخل، وكان الصدام سريعا مع رئيسة التحرير سالي بازبي، الصحافية المخضرمة التي كانت "واشنطن بوست" تفتخر بأنها أول امرأة تتولى رئاسة تحريرها طوال تاريخها الذي يمتد لـ144 عاماً. رغب ويل لويس بإجراء تعديلات شاملة في غرفة الأخبار، منها إطلاق قسم جديد، وخطة للمغادرة الطوعية للموظفين. لكن بازبي حاججت بأنه لا يمكن إجراء تعديلات كبيرة قبل نهاية الانتخابات الأميركية. وأفادت وكالة أسوشييتد برس بأنها رفضت تخفيض راتبها. واستقالت بازبي من منصبها مطلع يونيو/ حزيران الحالي.
كما أعلن لويس عن تعيين مجموعة من زملائه السابقين في مجموعة داو جونز، المملوكة لقطب الإعلام روبرت مردوخ، في مناصب رئيسية في الصحيفة، أحدهم روبرت وينيت، المحرر البريطاني الذي عمل سابقاً معه، والذي يواجه أيضاً نفس الاتهامات الأخلاقية. تراجع روبرت وينيت عن قبول الوظيفة، وسيبقى في منصبه نائباً لرئيس تحرير صحيفة ذا ديلي تليغراف البريطانية، بحسب مذكرة عمّمت على موظفي الصحيفة الأميركية الجمعة، واطلعت عليها وكالة رويترز. وقال ويل لويس في المذكرة: "أشعر بالأسف لأني أبلغكم بأن روبرت وينيت تخلى عن منصب رئيس تحرير واشنطن بوست". كما أبلغ الموظفين أن البحث عن بديل سيبدأ على الفور.
كانت عدة تقارير صحافية أميركية قد طرحت تساؤلات، في وقت سابق من يونيو الحالي، حول تورط وينيت في تقارير تضمنت دفع أموال للمصادر وجمع المعلومات بطرق مخادعة، وهي ممارسات شائعة في بريطانيا لكن ينظر إليها بازدراء بين الصحافيين في الولايات المتحدة. كذلك، ذكرت صحيفة ذا نيويورك تايمز أن وينيت عمل مع محقق خاص اعترف باستخدام وسائل غير أخلاقية للحصول على معلومات.
من هو "الفارس" ويل لويس؟
ويل لويس شخصية معروفة في أوساط الصحافيين الأميركيين والبريطانيين. لقب بصحافي العام البريطاني عام 2010، وهو حاصل على دكتوراه فخرية من عدد من الجامعات بينها بريستول ولينكولن وكاس للأعمال، وحصل على لقب فارس في بريطانيا في يونيو 2023. عمل مبكراً في حياته الصحافية في صحيفة فاينانشال تايمز، وتحديداً في مكتبها في نيويورك، وانفرد بالكشف عن قصة اندماج شركة إكسون موبيل، أكبر اندماج صناعي في تاريخ الشركات الأميركية، ما فاجأ الصحافة الأميركية في ذلك الوقت.
انتقل بعدها للعمل في صحيفة صنداي تايمز المملوكة لقطب الإعلام روبرت مردوخ في الفترة من 2002 إلى 2005. تولى أيضاً رئاسة تحرير صحيفة ديلي تليغراف، وكشف مع فريقه فضيحة نفقات النواب في 2009، التي أدت لاستقالة ستة وزراء من الحكومة البريطانية، بالإضافة إلى استقالة رئيس مجلس العموم مايكل مارتن.
عمل في صحيفة نيوز إنترناشونال، ثم في "نيوز غروب" المملوكة لمردوخ، وعمل على قضية القرصنة، وهي الفضيحة التي مثل فيها فيما بعد مردوخ في 2011 أمام مجلس النواب، للتحقيق في فضيحة التنصت على أكثر من أربعة آلاف شخص، في إطار سعي المجموعة إلى تحقيق سبق صحافي. واستمرت علاقة لويس مع مردوخ، إذ تولى منصب الناشر في صحيفة وول ستريت جورنال المملوكة لمجموعة داو جونز حتى عام 2020.
أزمة صحيفة واشنطن بوست
باعتباره الناشر، أراد لويس فرض هيمنته ونفوذه. وبينما كانت الصحافة العالمية تتابع قرارات المحكمة في قضية التنصت على نحو أربعة آلاف شخص، من بينهم شخصيات مهمة مثل الأمير هاري، كان اسم الصحافي الشهير يتسرب بين الأسماء التي من المتوقع أن يسمح للقاضي بإضافتها إلى قائمة المتورطين في خطة إخفاء أدلة القرصنة. وكانت غرفة التحرير في "واشنطن بوست" تحاول تغطية هذه القضية، ودار حوار بينه وبين رئيسة التحرير. نشرت "نيويورك تايمز" و"إن بي آر" تفاصيل من الحوار الذي دار، وتردد أنه قال لرئيسة التحرير إن القضية المتعلقة به لا تستحق النشر، ثم أغلق الهاتف في وجهها، وأضاف لها أن قرارها يمثل خطأ في الحكم عندما أكدت أنها ستنشر على أي حال. في النهاية، اتخذت هيئة التحرير قراراً بنشر تقرير عن القضية في مارس/ آذار الماضي، وأشارت الصحيفة إلى أن اسم ناشرها ويل لويس ورد في القضية، إذ يسعى محامو الأمير هاري إلى توسيع نطاق الدعوى القضائية ليضم 12 محرراً ومديراً تنفيذياً حالياً وسابقاً في إمبراطورية مردوخ الإعلامية.
لم يمنع لويس نشر التقرير الصحافي، لكن بدا أن الأمور في طريقها للخروج عن السيطرة، وبدأت تقارير إعلامية في الإشارة إلى حالة الجدل داخل الصحيفة حول سياسات الناشر الجديد، وتحولت "واشنطن بوست" من صحيفة يبحث القراء عن أخبارها إلى صحيفة يبحث القراء عما يدور داخل غرفة تحريرها وحالة الصراع والجدل بين ناشرها وإدارة تحريرها.
ودافع لويس أخيراً عن سياساته، مشيراً إلى أن "واشنطن بوست" شهدت انخفاضاً في متابعيها بنسبة 50% مقارنة بعام 2020، وأنها تحتاج إلى تعديلات جذرية لمواجهة التعثر، وأكد في الوقت نفسه عدم تدخله في سياسات التحرير.
ويمثل استمرار لويس في منصبه أزمة لـ"واشنطن بوست"، حيث يخالف سلوكه، بصفته صحافياً، المدونة الأخلاقية والمبادئ الأساسية للمهنة. ذكرت تقارير إخبارية مثلاً أنه دفع أموالاً للحصول على معلومات لنشرها، بالإضافة إلى استغلال مادة غير قانونية لنشر تقارير صحافية، وهو ما دفع عدداً من الصحافيين للمطالبة بالتحقيق، بل وامتد الأمر للنشر على صفحاتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من بينهم ديفيد مارانيس الذي وجه انتقادات حادة للمدير التنفيذي والناشر الحالي.
جيف بيزوس في ورطة
ترك الوضع الحالي رجل الأعمال الشهير جيف بيزوس، الذي اشترى "واشنطن بوست" في 2013 بنحو 250 مليون دولار، في أزمة. فالصحف تواكب كل يوم ما يدور داخل الصحيفة، ولا يزال التساؤل في الصحافة الأميركية والبريطانية، وبين أوساط العاملين في دوائر الإعلام، عما إذا كان المالك سينجح في تجاوز الورطة الحالية.
وتسببت رسالة بيزوس قبل أيام لكبار المسؤولين في إدارة التحرير في الصحيفة في حالة من الجدل، إذ اعتبرها البعض رسالة دعم غير مباشر للناشر الحالي ويل لويس. فبينما أكد بيزوس التزام المؤسسة بالمعايير المهنية الصحافية العالية، أشار أيضاً إلى "أن العالم يتطور بسرعة، ونحن بحاجة إلى التغيير كوننا عملاً تجارياً، وبدعمكم سنفعل ذلك ونقود هذه المؤسسة العظيمة إلى المستقبل، وأؤكد التزامي الكامل بالحفاظ على الجودة والأخلاق والمعايير التي نؤمن بها جميعاً".
"العربي الجديد" حاولت الاتصال هاتفياً بالصحيفة، فأبلغت بوجوب إرسال رسالة عبر البريد الإلكتروني، ولكنها لم تتلق رداً حتى الآن. تواصلت "العربي الجديد" أيضاً مع إحدى المحررات في "واشنطن بوست"، لكنها رفضت التعليق وطلبت عدم ذكر اسمها.
ويبقى التساؤل المطروح في دوائر الصحافة والإعلام والسياسة في واشنطن: كيف سيتعامل جيف بيزوس مع الوضع الحالي بطريقة يمكن من خلالها الحفاظ على سياسة الصحيفة وسمعتها وقرائها، وهل سينجح في مسعاه أم أن العاصفة أقوى منه هذه المرة؟