أُسدل الستار قبل أيام، على فعاليات الدورة الثلاثين من مهرجان الفحيص في الأردن، وذلك بعد 10 أيام من انتهاء فعاليات مهرجان جرش. وأجمع متابعو المهرجانين على تفوق الـ"الفحيص" على نظيره "جرش" تنظيمياً وجماهيرياً وإعلامياً، وبنوعية الفعاليات التي قُدمت.
وعلى الرغم من تاريخ مهرجان الفحيص الطويل، الذي استضاف منذ انطلاقته في عام 1990 أسماء فنية لها وزنها الكبير في سهراته الغنائية وندواته الثقافية التي تقام على هامش الفعاليات، أمثال: صباح فخري، وسيد مكاوي، وميادة الحناوي، ومارسيل خليفة، وجورج وسوف، وصابر الرباعي، وأحمد فؤاد نجم، وأدونيس، وآخرين، إلا أنه كان يُنظر إلى المهرجان على أنه يأتي في المرتبة الثانية بعد مهرجان جرش، خصوصاً أن الحكومة الأردنية تدعم "جرش" بمبلغ مليون دينار أردني سنوياً (يعادل مليوناً ونصف مليون دولار أميركي)، وتشرف عليه لوجستياً وتسهل إقامة بعض برامجه، عبر برامج التبادل الثقافي الموقعة مع الدول العربية والأجنبية، فيما لا تدعم الحكومة الأردنية نظيره "الفحيص" سوى بـ 50 ألف دينار أردني (يعادل 71 ألف دولار أميركي)، فيما تساهم الشركات الخاصة الداعمة وأهالي المدينة، في رفد ميزانية المهرجان التي تزيد قليلاً عن 450 ألف دينار أردني (تعادل 630 ألف دولار أميركي).
منافسة حقيقية
لكن، منذ 10 سنوات، بدأ مهرجان الفحيص، الذي يتبع إدارياً لنادي شباب الفحيص الاجتماعي الثقافي الرياضي، بفرض اسمه منافساً حقيقياً على صعيد محلي وعربي، عبر تطويره فعاليات برنامجه السنوي، وإحكام عمليات تنظيم التظاهرة على مختلف الأصعدة، وعدم التركيز فقط على المسرح الفني، ومنح بقية فعاليات المهرجان ثقلها على صعيد ثقافي وفلكلوري وتراثي.
اللافت أنّ مدير مهرجان الفحيص، أيمن سماوي، هو من كان مديراً لمهرجان جرش في عامي 2019 و2021 (لم تعقد دورة 2020 بسبب جائحة كورونا)، واختارته الحكومة الأرنية، قبل ثلاث سنوات، لإدارة "جرش" لرفع مستوى المهرجان الذي مر بعدة إخفاقات. لكنّه نُحّي العام الماضي لامتصاص غضب الناس من تداعيات جائحة كورونا، جراء التدفق الجماهيري في حفل جورج وسوف. واتضح لاحقاً أنّ سماوي لم يكن مسؤولاً عنه، فعُيّن حينها (2021) مازن قعوار مديراً تنفيذياً جديداً لـ"جرش" في آخر أربعة أيام من دورة العام الماضي من المهرجان، الذي أقيم هذا العام تحت إدارته أيضاً.
دورة 2022
من أبرز العوامل التي ساهمت في تفوق "الفحيص"، قيمة الفنانين المشاركين وجماهيريتهم في الساحة الفنية الأردنية، مثل جورج وسوف، وملحم زين، ودلال أبو آمنة، وراغب علامة، ومحمد عسّاف، ومعين شريف. حتى إن الأصوات الأردنية التي شاركت هي من جيل الشباب الذين لهم انتشارهم بين الجمهور، وهم ديانا كرزون وماجد زريقات ومحمود سلطان وعطالله هنديله وحمدي المناصير ومصعب الخطيب وجهاد سركيس وباسل جريسات.
ومن أسباب نجاح الحفلات، عدم المغالاة في أسعار التذاكر، إذ خصصت إدارة المهرجان ستة آلاف مقعد لحضور الجمهور لفعاليات المسرح الرئيس، منها 600 مقعد في كل حفل لمن ابتاع تذكرة (VIP تبلغ قيمة كل منها 40 ديناراً)، وخصصت 1000 مقعد لأصحاب التذاكر العائلية، فيما كانت بقية المقاعد من نصيب أصحاب التذاكر العادية (تبلغ قيمة كل تذكرة 10 دنانير أردنية).
كما أنّ التنظيم المتقن لعملية دخول وخروج الجمهور، ساهم في زيادة الإقبال على الحفلات التي خرجت بصورة مثالية للناس، الذين تسابقوا على مواقع التواصل الاجتماعي لإبراز تفوق "الفحيص" على "جرش"، ومقارنة المهرجانين من نواح كثيرة، أهمها النجوم المشاركون، وردود فعل الجماهير، والتعامل مع وسائل الإعلام، وتقديم الفنان الأردني بصورة تليق به.
فعاليات منتقاة
يحسب لمهرجان الفحيص تركيزه على البعد العائلي في برنامجه السنوي، فلا يحفل فقط بالبرنامج الغنائي الجماهيري، ما جعله منافساً على صعيد عربي، ففعاليات المهرجان كافة تقام في دائرة قطرها خمسة كيلومترات، ما يُمكن الزوار من متابعة جميع الفعاليات التي تبدأ ببرنامج مسرح الطفل، وتستمر مع السوق الحرفي والبازارات التراثية وركن المأكولات الشعبية، قبل المرور بمسرح القناطر الذي يقدم فيه المهرجان الأصوات والفرق الأردنية والعربية الشابة، مروراً بمنبر خالد منيزل الثقافي، الذي تقام على منصته الندوات الثقافية والأدبية، والتي احتفت هذا العام بشخصيات عربية مؤثرة. كما استذكر المهرجان ابن المدينة الشاعر الراحل ووزير الثقافة الأسبق جريس سماوي.
حضور النجوم
في ندوة "الدراما العربية بين التأثير والواقع"، التي أدارتها الفنانة الأردنية ريم سعادة، قدمت فيها كل من الفنانة اللبنانية تقلا شمعون، والفنانة المصرية إلهام شاهين، رؤيتهما للدراما العربية. كان النقاش ساخناً بين شاهين والصحافة الأردنية حول المآلات التي تسعى إليها الأولى في أدوارها التلفزيونية الأخيرة، ودافعت عنها شاهين بقولها إنها تحرص أن تحمل أعمالها آراء صادمة وجريئة يرفضها الكثير من الناس، وأنه تجري مهاجمتها بسب هذه الآراء، ولو كانت كما وُصفت لانهارت تماماً منذ زمن بعيد.
ودافعت شاهين عن مسلسلها الأخير "بطلوع الروح"، الذي قدم خلال شهر رمضان الفائت، إذ تطرق للحياة الشخصية لبعض أفراد تنظيم داعش، مُظهراً كيف يجري غسل أدمغة الشباب باسم الدين، وتحويلهم إلى إرهابيين، مشيرة إلى أن الناس كلها وصفت عملها بالجديد، ونال أعلى المشاهدات، خاصة أنه قدم الإرهاب النسائي بتفاصيله، وعرض قصة الزعيمة النسائية لهذا التنظيم. وقالت شاهين: "على الفنان ألا ينفصل عن واقعه، وأن يشارك رأيه بالقضايا المجتمعية، ويكون صوتاً لمن لا صوت له، وأن يعبّر عما يريده جمهوره الذي في الأصل منحه النجومية".
وحاصر الصحافيون وجمهور الندوة، الفنانة تقلا شمعون بشخصية ليلى ضاهر التي قدمتها في مسلسل "عروس بيروت". قالت شمعون عن العمل إنه يعكس صورة عن الحياة التي يتمناها البعض، مشيرة إلى أن تعريب المسلسل التركي جاء وفق ضوابط تحكمها العادات والتقاليد والطريقة العربية بالعيش.
ولفتت شمعون النظر إلى التطور في تقنيات التصوير، باعتباره عنصراً مساعداً في وصول العمل للمتلقي، "لأن غالبية المسلسلات التي تفشل، تعود لكون الفكرة غير منشغلة بأسلوب تقني حديث ويناسب المتلقي في عصره".
وتأسفت شمعون على حال الدراما والسينما في لبنان، معتبرة أن "المنتج والكاتب والمخرج اللبناني يتهرب من تسليط الضوء على المواضيع التي تهم مشكلات المجتمع اللبناني، إن كان حالياً أو تاريخياً، وهناك تغييب لحضورها بين الدراما العربية، لذا ذهبت الأعمال اللبنانية لتطاول أي زمان ومكان بالحب والزواج والانتقام وغالباً معالجتها غير محددة في بيئة معينة". واعتبرت أن الوضع القائم يحزنها كفنانة لبنانية، لأنها تملك نصوصاً مهمة تناقش قضايا لبنانية محلية يرفضها المنتج الموجود في لبنان.