- إسقاط إدانة هارفي وينستين يسلط الضوء مجددًا على النظام القضائي الأمريكي وتأثره بالعوامل الخارجية، مؤكدًا على أن المشكلات الأساسية المتعلقة بالنظام لم تُحل بعد.
- النص يبرز مشكلة تعامل النظام القضائي مع قضايا النساء والعدالة الشعبية، مشيرًا إلى فشل النظام في توفير العدالة للنساء وتحديات العدالة الشعبية والصحافية أمام القضاء الأمريكي.
استقبل الإعلامي بيرس مورغن في برنامجه الشهير، بعد رحيل أو جيه سيمبسون (10 إبريل/نيسان 2024)، المحامي آلان ديرشوتيز الذي كان من فريق الدفاع عن أو جيه سيمبسون عام 1994 وواحداً من المحتفلين ببراءته حينها. في اللقاء، لم يجب المحامي شديد الدعم لإسرائيل، عن سؤال "هل قتل أو. جيه. زوجته؟". وأكد أنه محام لن يبوح بأسرار موكله حتى لو مات الأخير.
اللافت في رد ديرشوتيز، هو وصفه للقضية بأنّها عرّفت "العالم" إلى النظام القضائي الأميركي، وكانت فرصة كي يشاهد الجمهور آلية عمل هذا النظام، وربما كان فرصة لتطويره، بالتأكيد اختزل هذا "النظام" حينها، بعبارة "إن لم يتسع القفاز فلا بد من البراءة".
أطياف أو. جيه. الذي "نجا" من عقوبة قتل زوجته جنائياً وأُدين مدنياً، تعود اليوم، مع إعلان إسقاط إدانة هارفي وينستين بالاغتصاب، لأن المحكمة لم تعتمد فقط على أقوال الشهود، بل اعتمدت على ما قيل حول وينتستين، ما جعل الدفاع عنه يطلب إبطال الحكم، وهذا ما حصل.
مرة أخرى، نحن أمام "خطأ تقني في المحاكمة"، الأمر ذاته الذي حصل مع أو جيه سيمبسون منذ نحو 30 عاماً. الواضح إذاً، أنّ النظام القضائي ما زال في الولايات المتحدة الأميركية يتأثر بـ"الاستعراض" وما يحصل خارج المحكمة، ما يعني أن المشكلة الأساسية في هذا النظام لم تحل.
الأمر ذاته قد يحصل مع محاكمة دونالد ترامب، تلك التي لم تبث للعلن، ولا يصل إلينا منها سوى رسوم الكاريكاتير، وتعليقات الصحافيين هناك، كقولهم إن ترامب كان نائماً، أو إنه أدّى حركات بذيئة، وغيرها من الأمور، لكن اللافت في القضايا الثلاث، أن الضحية دائماً امرأة، ضحية لا تؤخذ على محمل الجد في الاتهامات، بل يعمل النظام القضائي على تبرئة المتهم بسبب "أخطاء تقنيّة".
يتضح لنا أن النظام القضائي غير مصمم للتعامل مع "عدالة الرأي العام" ومع "ِشهادات الناجيات". والبراءة ولو كانت مؤجلة يمكن تحقيقها، ولا نقصد هنا أن واينستاين سيغادر السجن، كونه محكوماً في لوس أنجليس، ولا أن ترامب قد يكون بريئاً، نظام الدليل والإدانة والاتهام إشكالي، وضحيته دوماً، النساء.
إن أردنا النظر إلى العدالة في ما يخص الانتصار للرجال، نرى أن الزمن هو من يكفل براءتهم. كما أو جيه سيمبسون فإن وينستين أيضاً سقط عنه الادعاء. نحن أمام نوع من السخرية الدفينة، كأن العدالة لا يمكن لها أن تتحقق للنساء، وهذا ما قالته آشلي جاد، إحدى المدعيات على واينستاين حين قالت: "نحن لا نزال نعيش حقيقتنا"، ما يعني أن هناك حقيقة الضحايا، تلك الذاتية، التي لا لبس فيها كونها جسديّة، وقائمة على نسق يرتكبه المجرم، وهناك حقيقة العدالة، المتغيرة غير الثابتة عبر الزمن، خصوصاً في القضايا من هذا النوع.
نعلم أن ما يحصل اختبار للنظام القضائي الأميركي، والحفاظ على مفهوم المحاكمة العادلة، الاختبار الذي لطالما فشل فيه القضاء في الولايات المتحدة، والواضح أيضاً أن مفهوم العدالة الشعبية والصحافية لا ينجح أمام القضاء، لكنه يهدد عملية الإدانة وجمع الأدلة والشهادات. وهنا بالضبط تظهر أشباح أو جيه سيمبسون وهي الرهان على النظام القضائي نفسه و"اللعب" و"التلاعب" به من أجل البراءة، ذاك النظام العصي أمام الفضيحة وأمام الجرائم التي يذهب ضحيته نساء، لا يمتلكن في هذه الحالة سوى كلمتهن، والتعاضد بينهم من أجل عدالة تمسهن جميعاً، ليس الضحايا فحسب.
ربما غفوة ترامب في المحاكمة هي العلامة الأكثر مجازاً ودلالةً على نظام العدالة الأميركي. لا داعي للانتباه إلى ما يحصل، كون "عيوب" النظام القضائي لا بد أن تقف إلى جنب الرئيس السابق، وربما المستقبلي، خصوصاً أن القضايا ضد "النساء" مصير المتهمين بها البراءة، ولو كانت مؤجلة.