"أعلى نسبة مشاهدة": محاكمة "فتيات تيك توك" من الواقع إلى الشاشة
- قصة شيماء في "أعلى نسبة مشاهدة" تعكس الواقع الصعب لفتيات استخدمن تيك توك للخروج من الفقر لكن واجهن تهم الاتجار بالبشر، مما يسلط الضوء على الجدل حول استخدام التطبيق والقوانين المصرية.
- المسلسل ينتهي برسالة تتبنى الرواية الرسمية للسلطات، ملقية اللوم على الفقر والجهل وتصور السجن بشكل إيجابي، مما يثير تساؤلات حول الهدف من القصة والرسالة المراد إيصالها.
اكتشفت الدراما المصرية منصة تيك توك في موسم رمضان الحالي، بعد سنوات من الانتشار الواسع للتطبيق في العالم والمجتمع المصري، واستخدمته عدة مسلسلات عنصراً محورياً في أحداثها، باعتباره "شيئاً غريباً" يهدد أطفالنا ويحولهم إلى مهووسين بالشهرة، مثل مسلسل "عتبات البهجة" و"كامل العدد +1" وغيرها. في حين اختار صناع مسلسل "أعلى نسبة مشاهدة" الطريق الصعب والمختلف من خلال تقديم معالجة درامية لقضية "فتيات التيك توك" الشهيرة والمثيرة للجدل في مصر.
أعطت الحلقات الأولى من المسلسل توقعات عالية حول مضمونه، وبشّرت بمعالجة "قضية تيك توك" من زاوية اجتماعية وواقعية بعيداً عن الخطب التربوية والمشاهد الكارتونية التي اعتاد عليها الجمهور في مثل هذه النوعية من "الدراما الهادفة"، خاصةً بسبب العناصر الفنية المتميزة مثل الأداء التمثيلي والملابس ومواقع التصوير الحقيقية. ارتفعت التوقعات أيضاً بعد عدة تجارب في الدراما المصرية مؤخراً، اختارت الاشتباك مع المسلّمات الاجتماعية، مثل مسلسل "تحت الوصاية" لمنى زكي العام الماضي، الذي حمل موقفاً من قوانين حرمان الأم من الوصاية على أبنائها بعد وفاة الأب.
"فتيات تيك توك" بين الواقع والدراما
المختلف بين "تحت الوصاية" و"أعلى نسبة مشاهدة"، هو نهاية الأول بدخول بطلته السجن، لكسب التعاطف بنهاية درامية غرضها تأكيد ظلم القانون، أما الثاني فانتهى بدخول البطلة السجن جزاءً تستحقه، رغم ما أسّس له العمل في البداية من مؤشرات توحي بنية القائمين عليه تحقيق العدالة درامياً لـ"فتيات تيك توك" الحقيقيات ضد القانون ونظرة المجتمع. يفسر ذلك حالة الصدمة لدى فئات من الجمهور في نهاية المسلسل، التي جاءت أشبه بعقاب للفتيات للمرة الثانية.
بدأت القصة الحقيقية مع اتجاه السلطات المصرية إلى إحكام قبضتها على "تيك توك"، بعد الانتشار الكبير للتطبيق في فترة جائحة كورونا، إذ قبضت في تلك الفترة وبعدها على العديد من المستخدمين بتهم سياسية وأخلاقية. ولعل أشهرها قضية "فتيات تيك توك"، التي ألقي القبض بها على فتاتين من المؤثرين على التطبيق، بتهمة "التحريض على الفسق والاتّجار بالبشر"، وذلك إثر مشاركتهما في حملة دعائية لأحد تطبيقات فيديوهات البث المباشر، وانتهت القضية بسجنهما، مع حملات شرسة في الإعلام الرسمي ضدهما.
أثارت القضية الجدل في مصر، خاصةً أن هذه التطبيقات مصرح بها إلى الآن وعلنية ويستخدمها الكثير من المشاهير الذين لم يواجهوا ما واجهته الفتاتان، واختار المسلسل بالتحديد قصة الشابة حنين حسام، وهي فتاة جامعية تدرس في إحدى كليات القمة، من أسرة أقل من المتوسطة قليلاً، اشتهرت بمقاطعها على "تيك توك" وتقديم نفسها بلقب "هرم مصر"، وحظيت بدعم أسرتها من اللحظة الأولى لتوقيفها حتى النهاية.
دراما من أجل إثارة الشفقة
اقتبس "أعلى نسبة مشاهدة" قصة حنين في شخصية شيماء، التي جسدتها سلمى أبو ضيف، وهي فتاة من طبقة فقيرة للغاية وفاشلة دراسياً ولا تملك أي خبرة في الحياة، وتقودها المصادفة إلى تحقيق شهرة عبر "تيك توك"، وتجد به الأمل لإنقاذ نفسها وأسرتها من الفقر. لاحقاً تضطر إلى الزواج بأحد رجال الأعمال لحماية نفسها من الأسرة التي تتبرأ منها بسبب فيديوهاتها، ويستغلها رجل الأعمال في الترويج لتطبيق تعارف جديد، مستغلاً جهلها وحالتها النفسية السيئة، ممّا يؤدي بها إلى السجن بتهمة الاتّجار بالبشر.
هذه هي القصة باختصار، بعيداً عن الخطوط الدرامية الأخرى في المسلسل، والتي لم تؤثر في الهدف الرئيسي من العمل في إدانة قصة صعود فتيات الطبقات الفقيرة وشهرتهنّ عبر "تيك توك"، وجاءت هذه الخطوط لتبرّر النهاية الحتمية المستحقة لفتاة "تيك توك"، وجعلها تستحق السجن والشفقة في الوقت نفسه.
ظهرت هذه الرسالة بوضوح في نهاية المسلسل، وتحديداً في مشهد المحاكمة المليء بالخطب التربوية التي تتبناها أجهزة السلطة في مصر. تهرّب صناع المسلسل من التشكيك في هذه القوانين التي أدت في النهاية إلى سجن الفتيات، بسبب الرقابة الأمنية والجهل بوسائل التواصل الحديثة، بل ألقوا بالمسؤولية على الفتاة وأسرتها بتهمة الجهل والفقر، في تكرار للرواية الرسمية.
وتمادى العمل في تصديق الرواية الرسمية بمشاهد دعائية لمصلحة السجون المصرية، بمشهد استعراضي للحظة دخول شيماء السجن بسيارات حديثة داخل سجن فاخر ومضاء بأشعة الشمس، بدت فيه وهي في أكثر لحظاتها راحة وسعادة في المسلسل، على العكس من منزلها القاتم الكئيب طوال الأحداث، وعبّر العمل بوضوح أيضاً عن نظرة الطبقات الغنية وأصحاب الامتيازات الاجتماعية للطبقات الأقل، ممن يستخدمون "تيك توك" للترقي والصعود، فهم، بنظرهم، شديدو الجهل ولم يكن استخدامهم لـ"تيك توك" عن قناعة أو فرصة للتعبير عن أنفسهم أو أنه حق إنساني طبيعي لجميع الفئات.
أخلص المسلسل لهذه النظرة الاستعلائية في بعض العناصر الفنية الأخرى، كما في أغنية المسلسل التي تلقي كلماتها المسؤولية على شعور البطلة بـ"قلة الرضا"، أو بمعنى آخر عدم رضاها بالفقر وسعيها للشهرة والصعود الاجتماعي. إضافة إلى شخصية كاميليا، فتاة "تيك توك" الغنية، والتي تقع في حب شاب من طبقتها نفسها، فتتزوجه ويحققان النجاح في طموحاتهما المهنية، ويحاولان مساعدة شيماء لأنهما يشعران بالشفقة عليها فقط، وهو شعور قد يكون الدافع الرئيسي لصناع "أعلى نسبة مشاهدة" لإنجازه من الأساس: إرضاء ضمير هذه الفئة تجاه الظلم الموجود في الواقع.