في الدورة الـ76 (16 ـ 27 مايو/أيار 2023) لمهرجان "كانّ" السينمائي، تشارك السينما العربية بأفلامٍ طويلة وقصيرة، من 5 بلدان عربية، تتوزّع على المسابقة الرئيسية وأقسام/برامج موازية، إلى أفلام طلبة. الأبرز مشاركة السودان والأردن للمرة الأولى في تاريخهما السينمائي.
في المسابقة الرئيسية، التي تضمّ في لجنة تحكيمها المخرجة المغربية مريم التوزاني، هناك "بنات ألفة" للتونسية كوثر بن هنية، التي ترأست لجنة تحكيم "أسبوع النقاد" الدورة الماضية. لها أفلام روائية، قصيرة وطويلة، كـ"الرجل الذي باع جلده"، الفائز بجوائز سينمائية عدّة، وبلغ التصفيات النهائية لجوائز "أوسكار" عام 2021.
يروي الوثائقي الدرامي "بنات ألفة" 10 أعوام من حياة ألفة، المضطربة وغير المستقرة. أم تونسية أربعينية، من بيئة فقيرة جداً. ربّة منزل، تشهد انسياق ابنتيها المراهقتين إلى التطرّف، وهروبهما إلى ليبيا للانضمام إلى تنظيم "داعش"، وانتهاءهما في السجن، بعد غارة أميركية. 10 أعوام (2010 ـ 2020) من الحياة الواقعية: هذا عقدٌ مليء بمفاجآت غير مُتوقّعة، وذكريات مؤلمة، ونكران ذات، وشعور بالذنب والخوف. تمثّل فيه هند صبري، إلى جانب ألفة، البطلة الحقيقية للقصّة. بهذا الفيلم، تعود تونس إلى المسابقة الرئيسية، بعد آخر مشاركة لها عام 1970، مع "قصة بسيطة كهذه" للرائد عبد اللطيف بن عمار، الذي توفي في 6 فبراير/شباط 2023 ("العربي الجديد"، 10 فبراير/شباط 2023).
في المسابقة نفسها، يُعرض "فايربيرد" للجزائري البرازيلي كريم عينوز: في إطار تاريخي، في البلاط الملكي البريطاني، القرن الـ16. قصّة مؤلمة ومثيرة عن الملكة كاثرين بار، الزوجة الـ6 والأخيرة للملك هنري الثامن. تمثيل جود لو وأليسيا فيكاندر والمصري عمرو واكد.
في "نظرة ما"، التالي في الأهمية بعد المسابقة الرئيسية، الذي يُقدّم تجارب أولى، يُشارك السوداني محمد كُردفاني بأول روائي طويل له: "وداعاً جوليا": في الخرطوم، قبيل انفصال الجنوب السوداني، في مرحلة إجراء الاستفتاء، في إطار سياسي اجتماعي درامي. تتسبّب منى، امرأة شمالية، في مقتل رجل جنوبي. بدافع إحساسٍ عميق بالذنب، تستعين بزوجته كخادمة ومساعدة لها، في محاولة للتطهّر، وتعويض الأرملة المكلومة. تمثيل الممثلة المسرحية والمغنية إيمان يوسف، وعارضة الأزياء وملكة جمال السودان السابقة سيران رياك.
للمغربية أسماء المدير أول فيلم وثائقي درامي، بعنوان "كذب أبيض"، أو "أم الأكاذيب". تدور أحداثه في الماضي القريب للمخرجة، وعلاقتها بأسرتها وطفولتها. فبعد ذهابها إلى منزل والديها في الدار البيضاء، لمساعدتهما على الانتقال، وإثر فرزها أغراضاً قديمة لها، تعثر على صُور فوتوغرافية تعيدها إلى ذكريات وعلاقة بالماضي، وإلى الطفولة. في البرنامج نفسه، يُشارك مواطنها كمال لزرق بفيلمه الروائي الأول "كلاب الصيد"، أو "عصابات": أب وابنه يتورّطان في أعمال جُرمية وتجارة غير مشروعة، في الشوارع والضواحي السفلية والشعبية للدار البيضاء، في ليلةٍ طويلة لا نهاية لها.
تحضر تونس أيضاً بفيلم "ببساطة مثل سيلفان"، للمخرجة والممثلة التونسية الكندية مونيا شكري: تنقلب حياة صوفيا، ابنة عائلة ثرية جداً، كلّياً، عندما تلتقي سيلفان، المنتمي إلى عائلة عمّال. علاقة رومانسية عاصفة، تدفع صوفيا إلى اختبار قيمها ومعتقداتها الخاصة. شكري نفسها نالت جائزة خاصة من لجنة تحكيم "نظرة ما" قبل 3 أعوام، عن "حبيبة آخر" (2020)، الذي أثار موضوعه جدلاً في دول عربية عدّة.
إلى ذلك تترأس المخرجة الفرنسية اللبنانية أودري ديوان لجنة تحكيم "أسبوع النقاد"، الذي تُنظّمه "جمعية نقّاد السينما الفرنسيين" مع "الاتحاد الدولي للصحفيين السينمائيين (فيبريسي)"، في دورته الـ62 (17 ـ 25 مايو/أيار 2023) في مهرجان "كانّ"، التي تعرض "إنشاء الله ولد"، أول روائي للأردني أمجد الرشيد: عن العيش مع قيود مجتمع ذكوري قمعي، وعن القهر الذي تتعرّض له المرأة عندما تفقد رجلها، وتكون محطّ أطماع. وذلك عبر الأرملة نوال، التي يُتوفّى زوجها في البداية، فتحاول إنقاذ ابنتها ومنزلها من مجتمع تنقلب فيه الموازين، في ظلّ وجود طفلة أنثى. لا يتناول الفيلم القوانين التي تضطهد المرأة في العالم العربي، بل معتقدات مجتمعية وثقافية، تفرض سيطرتها على حياة المرأة في المجتمع، وكيف أنّ التغيير يبدأ منه قبل مؤسّسات الدولة.
في التظاهرة نفسها، هناك "عيسى ـ أنا أعدك بالفردوس"، فيلم قصير للمصري مراد مصطفى: عن شجاعة وإنسانية لاجئ أفريقي مراهق، مُقيم في القاهرة، يدعى عيسى (17 عاماً).
أما تظاهرة "نصف شهر المخرجين" (أسبوعا المخرجين)، التي تنظمها "جمعية المخرجين الفرنسيين" كتظاهرة مُستقلة في المهرجان، منذ عام 1969، فتعرض "الثلث الخالي" (صحاري) للمغربي فوزي بن السعيدي: رحلة الصديقين مهدي وحميد، المسافرين بحكم عملهما عبر مدن وقرى مغربية. يتعرّضان لموقف مفاجئ، يجعلهما مُطارَدَين عبر الصحراء. هناك أيضاً روائي قصير أردني، "البحر الأحمر يجعلني أبكي"، للفلسطيني المقيم في ألمانيا فارس الرجوب، وتدور أحداثه في مناخ من الأساطير والحكايات الخرافية. إليهما، هناك "أخَام يرغا، مقّار أَنسحمُو" (المنزل يحترق فلنتدفأ)، للجزائري مولود أيت ليوتنا، وهذه أول مرة في تاريخ التظاهرة ومهرجان "كانّ"، التي يشارك فيهما فيلمٌ ناطق بالأمازيغية: في ولاية بجاية، يعيش يانيس، شابٌ جزائري، لكنّه يرغب في الهجرة إلى باريس، ويتزامن يوم رحيله مع وفاة أحد أقاربه. ألم خفّف عليه كآبة مغادرة قريته. يتّخذ الفيلم من المنفى تيمةً رئيسيةً، في ظلّ اضطرار شباب كثيرين إلى مغادرة وطنهم بحثاً عن آفاق أرحب.
خارج المسابقة الرئيسية، في "عروض منتصف الليل"، هناك "عمر لا فراز"، أول روائي طويل للجزائري الفرنسي إلياس بلقدار: عالم الجريمة السفلية والعصابات في الجزائر، مُمثّلاً بالمحتال عمر، الخمسيني المنفي في فرنسا. عبره، يعيد بلقدار إحياء عالم الجريمة والعنف في بلده الأصلي، باستعراض حياة مضطربة لعمر، المليئة بالكحول والأخطار والمطاردات والموت المحدق.
في "عروض خاصة"، هناك "فتاة صغيرة زرقاء"، للمغربية الفرنسية منى عشاش: دراما وثائقية عن والدة المخرجة، مع ممثلين يصوّرون شخصيات واقعية. أُضيف الفيلم في لائحة الاختيارات بعد وقتٍ قليل على إعلانها رسمياً.
"الأفلام القصيرة لطلبة مدارس ومعاهد السينما"، باتت في دورتها الـ26، التي تضمّ 16 فيلماً، 14 روائياً وفيلمي تحريك. هناك "الترعة" للمصري جاد شاهين: في قرية مصرية، في أجواء كابوسية، تختلط فيها الأسطورة الشعبية بالواقع، بطلها شاب من الصعيد. الفيلم ثاني مشاركة لمصر في القسم نفسه، منذ تأسيسه عام 1998، والأولى منذ عام 2014. كما يُعرض "قمر" للمغربية زينب واكريم: عن أطفال يولدون بحساسية من الأشعة فوق البنفسجية، ما يجعل الشمس خطراً عليهم، فيمضون حياتهم في ضوء القمر.
يُذكر أنّ "مسابقة الأفلام القصيرة"، التي تمنح جائزة "السعفة الذهبية للأفلام القصيرة"، التي فاز بها المصري سامح علاء بأول "سعفة ذهبية" مصرية عن "14" (2021)، خلت هذا العام من أي مشاركة عربية.
أخيراً، هناك "أسيد" (ACID)، مؤسّسة تدعم السينما المستقلة والأفلام الأولى، القصيرة والطويلة، وتوزّعها. تأسّست عام 1992، وتُنظّم منذ بداية التسعينيات الماضية برنامجاً خاصاً بها في مهرجان "كانّ"، يُعدّ الثالث في الأهمية بعد "نصف شهر المخرجين" و"أسبوع النقاد"، وساهم في تقديم أسماء معروفة الآن في السينما العالمية. فيه، يُعرض وثائقي تونسي بعنوان "الماشطات" لسونيا بن سلامة: 3 نساء يعملن مطربات أفراح في الأعراس التونسية. يعرض أيضاً الوثائقي الدرامي اللبناني "البحر وأمواجه"، للثنائي ليانا ورينو: مطاردة مهرّبين في البحر، في بيروت، والعثور على فتاة مخطوفة، في أجواء إثارة وتشويق وغموض وكوميديا.