صراعٌ بين أفراد عائلة واحدة، ولكلّ فردٍ هدفٌ وطموح. ألان دولون، الذي سيبلغ 89 عاماً في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، يواجِه تحدّياً كهذا، فابنته أنوشكا (1990) "تسيطر" عليه، وتُبعده عن أنتوني (1964) وألان ـ فابيان (1994)، ما يدفع الأول تحديداً إلى محاولةٍ، عبر القضاء، لتجنيب والده عزلةً كهذه، في سنٍّ يبدو فيها غير قادر على المواجهة، وخوض اختبارات جديدة، عطفاً على أنّه، كما يتردّد، شبه عاجز عن التحكّم بأمور شخصية ذاتية.
للممثل حضور طاغٍ، خارج الشاشة أيضاً. سطوته جبّارة. وسامته جاذبة. علاقاته النسائية فعلٌ حياتي. عشقه قليلات للغاية معروفٌ. أحواله ممتازة، فالمال وفير، والعيش في سويسرا يُجنّبه دفع ضرائب باهظة لدولته. في كتابٍ، يجهد دولون، الرجل والفنان، في منع صدوره، فيبوء جهده بالفشل، تُذكَر وقائع تقول إنّ له ارتباطاً برجال عصابات شرق أوروبية، وإنّ حارساً شخصياً له "يُتَّهم" بالقتل. قراءة "أسرار دولون" لبرنار فيولي ("فلاماريون"، 2000) ممتعةٌ، رغم "أهوال" وحقائق غير متوقّعة، ربما، لكثيرين وكثيرات، أو غير معروفة لهم ولهنّ. يَرد في الكتاب حكاية نزاعٍ، حاصل قبل سنين مديدة، بين الممثل، الذي له أعمالٌ تجارية متنوّعة، وابنه أنتوني، إلى حدّ أنّ الممثل يمنع ابنه، قضائياً، من استخدام "لوغو" A D في أعماله التجارية الخاصة، لأنّ الحرفين الفرنسيين يُحيلان إلى ألان أيضاً، بينما الابن يريدهما انعكاساً لاسمه (Alain وAnthony، واسم العائلة Delon).
في سرد تلك الحكاية، التي "ينتصر" ألان فيها على أنتوني، قسوة غير مُحتَملة، لرجلٍ غير آبهٍ إلّا بنفسه ومصالحه. أو ربما هكذا توحي كيفية السرد، لا مضمونه فقط. شرسٌ هو، وإنْ يكن ابنه ضحية شراسته. الجانب العاطفي في الأب ماثلٌ للعيان، في الكتاب نفسه، كما في العدد الخاص (26) لـ"باري ماتش" (مجلة أسبوعية فرنسية)، الصادر في يناير/ كانون الثاني ـ فبراير/ شباط 2017. تناقضٌ مُخيف، رغم "صدق" الجانبين في شخصيةٍ، يصعب حصرها في أوصافٍ، مع أنّ أوصافاً عدّة تُلائمه تماماً.
الصراع العائلي الراهن قاسٍ. لعلّ شيخوخة الرجل، التي تُبعده عن العالم المحيط به، أفضل حصانةٍ لمن يرى الموت مقبلاً، من دون تحديد موعدٍ ثابت. لكنْ، أيساعده انفصاله عما يُحيط به، بسبب مرضٍ أو شيخوخة، في تجنّبه خوض تجربة الصراع بين ابنة وابنين؛ أمْ أنّ في ذات الرجل وروحه بقايا شَراسَةٍ، تؤهّله لمواجهة الجميع، من دون رحمة؟ أتكون الشيخوخة حاجزاً يحول دون انخراطٍ قاسٍ في معركةٍ، "يحقّ" له أنْ يخوضها "دفاعاً" عن مصالحه، كما عن ذاته؟ أيصلح المرض، إنْ يكن هناك مرضٌ، في حماية فنانٍ من تورّط في نزاعات بين "إخوة ـ أعداء"؟ أمْ أنّ للرجل ـ الفنان، إنْ يكن واعياً بشكل كاملٍ، ما يكفي من أدوات، لاستعادة فصولٍ من سيرةٍ، لعلّه "يحنّ" إليها (الفصول)، أي تلك التي تُظهره "قائداً" يتحكّم بكلّ شيءٍ، في محيطه، وخارج محيطه أيضاً؟
يُمكن لتساؤلات كهذه ألا تنتهي. اللحظة الراهنة تسمح بهذا. لكنّ ألان دولون، أيّاً تكن حالته، الصحيّة ـ العقليّة، يبقى أحد أهمّ صانعي جزءٍ أساسي من تاريخ السينما الفرنسية، أولاً، ومن ذاكرة أفراد وجماعات، ومن حكاية أناسٍ يُدركون أنّ وعياً معرفياً لهم ولهنّ حاصلٌ، بجانب منه طبعاً، بفضل اشتغالاته السينمائية، وإنْ تكن بعض أفعال الرجل فيه غير مقبولة من كثيرين وكثيرات.