قد تبدو غريبةً مشاركة الممثل الأميركي أندرو غارفيلد في فيلم "سبايدرمان: لا عودة إلى الديار" Spider-Man: No Way Home، إلى جانب توم هولاند وتوبي ماغواير، في النسخة الأخيرة من سلسلة أفلام "الرجل العنكبوت" التي صدرت قبل نحو أربعة أشهر.
عزف غارفيلد عن متابعة تجسيد شخصية بيتر باركر لأكثر من سبع سنوات، فبعد أن قدم نسختين منفصلتين عامي 2012 و2014، حملتا عنوان "الرجل العنكبوت المذهل" The Amazing Spider-Man، خلفًا للثلاثية الأولى الأشهر التي قدمها ماغواير، تعاقدت شركتا "مارفل" و"سوني"، صاحبتي الحقوق لشخصية "سبايدرمان"، مع هولاند، ليحمل لواء السلسلة بأجزائها الأخيرة الحالية.
هذا القرار جاء نتيجة استراتيجية جديدة من قبل الشركتين لتعويض النتائج المخيبة، التي مني بها الجزء الثاني من "الرجل العنكبوت المذهل". غير أن عزوف غارفيلد عن السلسلة، وفق ما صرح في لقاء مع مجلة "فرايتي" العالمية، هو أن خللاً في بناء شخصية بيتر باركر، وخلوها من أي أبعاد واسعة يمكن اكتشافها، كان السبب في فشل الفيلم نقدياً وجماهيرياً.
نتج عن ذلك إحجام الممثل لمساعيه في تطوير خبراته وأدواته في عالم التمثيل. فدخوله لعالم الأبطال الخارقين كان بدافع الإعجاب بشخصية بيتر باركر، إلا أن التجربة والتطوير في توظيف شخصية جديدة يضيفها إلى رصيده السينمائي هما ما دفعاه للمشاركة سابقاً. أما عن مشاركته المفاجئة، في النسخة الأخيرة، من السلسلة التي يخرجها جون واتس، فكانت بدافع الإعجاب بالنص والفكرة.
إذا ما ألقينا نظرة على قائمة الأعمال التي انطلق منها غارفيلد، قبل ارتدائه بدلة "الرجل العنكبوت"، وما تلاها، فإننا سنجد نموذجاً لممثل يسعى جاهداً إلى تقديم أدوار متنوعة وعميقة وذات أثر في عالم الشاشة الكبيرة. فأول الأدوار التي مهدت الطريق لاسمه، بشكل عالمي، كان من خلال فيلم "الشبكة الاجتماعية" The Social Network عام 2010، للمخرج الأميركي ديفيد فينشر. قدم بعدها شخصية "الرجل العنكبوت" التي كانت سبباً في شهرته عام 2012.
لكن شهرته الأوسع جاءت من خلال مشاركته في مجموعة من أفلام السيرة الذاتية ذات النصوص المتنوعة. في كل واحد من تلك الأفلام، سنلاحظ حجم الاختلاف بين الشخصيات التي جسدها، والأداء المتنوع والمميز الذي وسم فيه مهارات متجددة وواعدة. وعلى رأس تلك الأفلام دوره في الفيلم الحربي والسيرة الذاتية عام 2016 "هاكسو ريدج" Hacksaw Ridge للمخرج والممثل الأميركي ميل غيبسون. نال غارفيلد على أدائه جائزة النقّاد لأفضل ممثل، وترشيحات عن الفئة نفسها في كل من جوائز "أوسكار" و"بافتا" و"غولدن غلوب".
ثلاثة أفلام أخرى كان لها أثر كبير في نضج موهبة غارفيلد وصقلها، الأول عنوانه "عادات سائدة" Mainstream للمخرجة جيا كوبولا، صدر عام 2020. قدم غارفيلد في هذا الفيلم أداءً فريداً مختلفاً عن كل أدواره التي أداها سابقاً. الفيلم الثاني "عيون تامي فاي" The Eyes of Tammy Faye للمخرج مايكل شوالتر. ويحكي قصة حياة المبشرة التلفزيونية تامي فاي بايكر (الممثلة جيسيكا تشاستين) وزوجها جيم بايكر الذي لعب غارفيلد دوره. أما الفيلم الثالث، فحمل عنوان "تيك، تيك... بوم!". وهو عمل دراما موسيقية، وسيرة ذاتية، أخرجه الكاتب المسرحي والملحن الأميركي لين ميراندا. يتناول الفيلم سيرة حياة المؤلف والموسيقي الراحل جوناثان لارسن. حصل غارفيلد على إشادات واسعة من الجمهور والنقاد على أدائه في تقديم شخصية جوناثان، وهذا كان سبباً لترشحه مرة ثانية لجائزة "أوسكار" أفضل ممثل لعام 2022، لكن حازها ويل سميث عن دوره في "كينغ ريتشارد" King Richard.
فضلًا عن فوز غارفيلد بعدد من الجوائز المحلية والعالمية، عن فئة أفضل ممثل، من بينها جائزة النقاد وجائزة "غولدن غلوب"، نلاحظ من خلال مجموعة الأفلام التي قدمها مسعى جديًا في أداء أعمال وأدوار أكثر عمقًا والتزامًا، تثري تجربته السينمائية، خارج عالم الأبطال الخارقين.