بعد 50 عاماً على اختيار مواطنته الممثلة إنغريد برغمان (1915 ـ 1982) للمنصب نفسه، أعلن مهرجان "كانّ" السينمائي الدولي أنّ السويدي روبن أوستلوند (1974)، الفائز مرّتين بـ"السعفة الذهبية"، سيكون رئيس لجنة تحكيم مسابقة الدورة الـ76، المُقامة بين 16 و27 مايو/أيار 2023 (الإعلان عن الأفلام المختارة رسمياً سيكون في منتصف أبريل/نيسان المقبل): "سعيدٌ وفخورٌ ومليء بالتواضع إزاء منحي شرف رئاسة لجنة تحكيم "كانّ" هذا العام. لا مكان في العالم يُثير الرغبة في السينما (كهذا المكان)، عندما تُرفع الستارة على فيلمٍ في المسابقة"، يقول أوستلوند بُعيد الإعلان عن ذلك، مُضيفاً أنّ له حظّاً كبيراً في التواجد مع هؤلاء الخبراء، الذين هم روّاد "كانّ". أشار أيضاً إلى "اعتقاده الصادق" بأنّ السينما "تمرّ في مرحلة حاسمة"، وبأنّها "فريدة من نوعها"، و"نتشاركها معاً"، و"مشاهدة الأفلام معاً تتطلّب المزيد مما يُعرض، وتُكثِّف التجربة"، وهذا "يُعيد إلينا شيئاً مختلفاً تماماً عمّا تُفرزه الشاشات الفردية".
مع 6 أفلامٍ روائية طويلة، شارك أوستلوند مرّتين في قسم "نظرة ما" في المهرجان نفسه، ونال جائزة لجنة تحكيمها عام 2014، قبل اختيار بعض أفلامه في المسابقة، فنال "السعفة الذهبية" مرّتين: الأولى عن "المربّع" في الدورة الـ70 (17 ـ 28 مايو/أيار 2017)، والثانية عن "مثلث الحزن" في الدورة الـ75 (17 ـ 28 مايو/أيار 2022).
بعد دراسة السينما في "غوتِبيرغ"، أخرج أوستلوند، عام 2004، أول روائي طويل له، The Guitar Mongoloid. على حافة الفيلم الوثائقي، وصف السينمائي في هذا الفيلم المصائر المتقاطعة لشخصيات هامشية في مدينة متخيّلة، تُشبه "غوتِنبيرغ" بشكلٍ لا لُبس فيه. الفكاهة، كأداة للوصف الاجتماعي، تتجلّى فعلياً. روائيه القصير اللاحق، "مشهد سيرة ذاتية رقم 6882"، احتوى على المكوّنات كلّها التي ظهرت لاحقاً في أفلامه، المؤكَّدة في روائيّ طويل آخر له، "سويد سعيد"، المشارك في "نظرة ما" في الدورة الـ61 (14 ـ 25 مايو/أيار 2008) لـ"كانّ".
بحسب بيان المهرجان، وضع أوستلوند كاميرته على مسافة جيدة لمعاينة السلوكيات البشرية: نقاط ضعف صغيرة، وعيوب رئيسية تُسبّبها ديناميكيات المجموعة. هذا مُشرَّح إلى حدّ الضيق.
بعد ذلك بعامين، فاز Incident By A Bank بـ"الدب الذهبي لأفضل فيلم قصير" في الـ"برليناله الـ60" (11 ـ 21 فبراير/شباط 2020). ثالث روائي طويل له، Play، معروضٌ في "نصف شهر المخرجين" في الدورة الـ64 (11 ـ 22 مايو/أيار 2011) لـ"كانّ": وصفَ التحرّشات الحاصلة بين مختلف عصابات الشباب، وأثار نقاشاً كبيراً في المجتمع السويدي عند عرضه التجاري. في Snow Therapy، المعروض في "نظرة ما" في "كانّ 2014" (الدورة الـ67، المقامة بين 14 و25 مايو/أيار)، أخذ هذا الموقف جانب الانهيار، مع هروب الأب بدلاً من إنقاذ أولاده وامرأته: كيف نتحمّل العواقب بسوء نية، ونخاف من فقدان ماء الوجه؟ هذه إشكالية عالجها المخرج.
هكذا حفر أوستلوند "ثلم الديالكتيك الاستفزازي"، الذي صنع توقيعه: حالة أولى تطرح امتحاناً اجتماعياً يُغربِل الغرائز الأساسية لإنسانيتنا، من خلال روح الدعابة المزعجة.
عام 2017، وضع في الخيال تجربةً فنية اختبرها في بلده. ناقش "المربع"، ببراعة، حدود الفضاء العام والفن والجانب الحيواني فينا. أخيراً، في "مثلث الحزن"، أرّخ يوميات أناسٍ على متن سفينة سياحية، تواجه عاصفة قوية، وأعاد ترتيب أوراق الصراع الطبقي في المجتمعات الغربية، عبر جلبة وصخب مقزِّزَين للغاية: "إنها، إذاً، سينما من دون تنازلات وحجج واهية، تدعو المُشاهد باستمرار إلى التساؤل ومساءلة الفنّ لإعادة ابتكار الذات"، كما في بيان إدارة المهرجان.
أوستلوند، بعد فرنسيس فورد كوبولا (1939) وأمير كوستوريتزا (1954)، ثالث سينمائي فائز مرّتين بـ"السعفة الذهبية"، يتولّى رئاسة لجنة تحكيم مهرجان "كانّ"، وأول من يترأس تلك اللجنة في العام التالي لفوزه الثاني بـ"السعفة" نفسها: "كرئيس للجنة التحكيم، أذكّر مُجدّداً زملاء في اللجنة بدور السينما. فيلمٌ جيد يرتبط أيضاً بالتجربة الجماعية. يُحفّز على التفكير، ويُثير الرغبة في النقاش. إذاً، لنشاهد أفلاماً معاً".