عاودت "أوبرا متروبوليتان" في نيويورك، مساء الاثنين، احتضان جمهورها، بعد وقف نشاطها عاماً ونصف عام بسبب جائحة "كوفيد-19"، ورفعت ستارتها عن عرض شكّل سابقة في تاريخ الدار، كونه من تلحين موسيقي أسود، هو عازف البوق تيرينس بلانشارد، وصلت أصداؤه إلى حي هارلم.
فالمؤسسة المرموقة لم تشهد مدى 138 عاماً من وجودها، خلافاً لدور الأوبرا الأخرى في الولايات المتحدة، أي عرض ألّف موسيقاه أميركي من أصل أفريقي، على الرغم من وجود عدد من الملحنين السود الكبار كويليام غرانت ستيل.
لكنّ هذا الواقع تغيّر الاثنين مع أوبرا "فاير شات آب إن ماي بونز"، وهو عمل معاصر ومبهج مطعّم بلمسات من موسيقى الجاز والبلوز، لحّنه عازف البوق الشهير تيرينس بلانشارد الذي ألّف الموسيقى التصويرية لعدد من أفلام سبايك لي.
وتولى السينمائي الأميركي كايسي ليمونز كتابة القصة المرافقة لموسيقى هذه الأوبرا، وهي مقتبسة من مذكرات الكاتب في صحيفة "نيويورك تايمز" تشارلز بلو الذي يؤرخ للمرحلة التي أمضاها هو الطفل الأسود جنوب الولايات المتحدة، حيث عانى العنصرية، وواجه صدمة جراء اعتداء أحد أقاربه عليه جنسياً خلال طفولته.
ومع أن العمل قُدّم غناءً ورقصاً في معقل "مِت أوبرا" المعتاد في "مركز لينكولن"، عُرض في الوقت نفسه على شاشة عملاقة في مدرج في الهواء الطلق في حديقة "ماركوس غارفي بارك" في حي هارلم، وكان الدخول مجانياً.
واغرورقت عينا لارا رابكين (48 عاماً) بالدموع بعد العرض الذي استمر ثلاث ساعات واختتم بتصفيق حادّ. ولاحظت، والتأثر الشديد بادٍ عليها، أنه "كان قوياً جداً". وأضافت "من المهم أن نتحدث أكثر عن الرجال الذين يعبرون عن مشاعرهم، وخصوصاً الرجال السود في مجتمعنا، إذ لا يوجد في كثير من الأحيان مكان للتحدث عن صدماتهم وجروحهم، وللتضامن بدلاً من إعطاء صورة قسوة".
تشكّل طابور انتظار قبل العرض بوقت طويل، في ظل أشجار الحديقة الواقعة قرب الشارع 125 في هارلم، اصطف فيه الناس لإبراز بطاقات التلقيح، تمهيداً لدخول المسرح الذي سرعان ما امتلأت مقاعده البالغ عددها 1700.
وقبل بدء الباريتون ويل ليفرمان بالغناء، عزفت الأوركسترا بقيادة يانيك نيزيه سيغان النشيد الأميركي، فقابلها الحشد الواقف بالتصفيق.
وكانت "أوبرا متروبوليتان" قد أعلنت، منذ نهاية 2019، إدراج أوبرا تيرينس بلانشارد في برنامجها، لكنها لم تحدد الموقع الذي سيحتله هذا العمل ضمن موسمها. وها هي أوبرا "فاير شات آب إن ماي بونز" اليوم، بعد عام ونصف عام وعلى إثر قضية جورج فلويد، تستهل الموسم، وتشكّل باكورة عروض الدار بعد الجائحة، وهو توقيت يرتدي أهمية رمزية أكبر من مجرّد وجودها ضمن البرنامج.
وقال الموسيقي البالغ 59 عاماً والمولود في لويزيانا، لوكالة "فرانس برس"، في حينه إن هذا الأمر يتجاوزه. ورأى بلانشارد الذي نال جائزة "غرامي" ست مرات، ورشح لجائزة "أوسكار"، أنه "أبلغ تعبير "عما يحدث في (الولايات المتحدة) وفي عالم الفن".
لكنّ المستشارة التعليمية ليندا تالتون (54 عاماً) التي تعيش في هارلم رأت أن "ذلك كان ينبغي أن يحدث منذ مدة طويلة". وأضافت "من المخزي أنه ليس سوى الأول. نحن في 2021. يجب أن نخجل، كدولة". ولاحظت أن "تيرينس بلانشارد مذهل، إنه أسطورة، من الجميل جداً أن يشرّف هذا المكان".
خاضت "أوبرا متروبوليتان"، والتي تعتبر أكبر صاحب عمل في الولايات المتحدة في مجال فنون الأداء الحي، مفاوضات اجتماعية شاقة خلال الجائحة، على خلفية توجهها لخفض الأجور لكي تتمكن من معاودة نشاطها. وأفضت هذه المفاوضات أخيراً إلى إبرام اتفاق يلحظ خفضاً لرواتب الموسيقيين، مع تعهّد بإعادة رفعها جزئياً عند بلوغ العائدات مستوياتها ما قبل الوباء بنسبة 90 في المائة.
(فرانس برس)