يسأل الناقد عن إمكانية الفصل بين نتاجٍ سينمائي وسلوك صاحبه في حياته اليومية. النتاج مُثير لنقاشٍ وحوارٍ وقراءات، لكنّ السلوكَ عفنٌ، والقضاء في الغرب قابلٌ، بشكلٍ أو بآخر، لمحاكمةٍ، بعد تنقيب وبحث ودلائل. يتردّد الناقد في الكتابة عن فيلمٍ عربيّ، إذْ يتناهى إليه أنّ مخرجَه متورّطٌ في تشبيحٍ متنوّع الأشكال والأهداف والمصادر. يشعر بحرجٍ، فالفيلم قابلٌ لنقاشٍ وحوارٍ وقراءات، وصُوَره دافعٌ إلى تبيانٍ إضافي لجرائم مُنظَّمة.
يحتار الناقد. يُريد معرفة كيفية التصرّف. يحاول إيجاد مَنفذٍ. الفيلم مهمّ، لتوثيقه حالة، على الأقلّ. هذا يحصل في سورية، وفي مواضِع عربية مختلفة. هذا يحصل في هوليوود والغرب أيضاً. المسألة غير محسومة. سينمائيون يُنجزون روائع مهمّة، لكنّ مسالكهم مشوبة بأعطابٍ، تُصيب آخرين بأعطالٍ. القضاء يُبرّئ أحياناً، فلا دليل كافياً لمحاكمة وحكم. لكنّ الصيت قاتلٌ، والمُلاحقة يُمكن أن تمتدّ سنين، تبدو كأنّها لن تنتهي.
المسألة غير عابرة. اندلاع حربٍ في سورية، منذ 10 أعوامٍ، يُتيح مجالاً كبيراً لتشبيحٍ دائمٍ، وبعض السينما غير ناجٍ منه. تعقيدات جمّة تتحكّم بنتاجاتٍ سورية، فـ"الموضوع السوري" جاذبٌ لتحقيق نتاجاتٍ، وكثيرون وكثيرات يرغبون في أموالٍ يحصدونها من هنا وهناك، وبعضهم يتورّط في أفعالٍ سابقة على السينما، فيلجأ إليها كإنقاذٍ له من ورطةٍ جُرمية.
المأزق أنّ كلاماً كثيراً يُقال، لكنّ إثباتاً فعلياً وقاطعاً غير حاضرٍ البتّة. كلامٌ يُقال، وأخبار تنتقل، وبعض القائلين والناقلين مُقرّب وعارفٌ، لكنّ القطع والحسم غائبان. لذا، يتساءل الناقد: أيُخاطر في الكتابة، أم يتّقي شرّاً لن ينفذ منه بسهولة، إنْ يكتب رأياً نقدياً في فيلمٍ، يتعرّض مخرجه لشُبهاتٍ جُرمية؟
غربياً، التورّط مُشابهٌ، وإنْ يُبرّئ القضاء متّهمين، لا إثبات على أفعالهم الجُرمية. وودي آلن ورومان بولانسكي أبرز مَثَلين على هذا. تحرّشات جنسية واغتصاب واعتداء، والقضاء غير متمكّن من محاكمةٍ نهائية، رغم مرور سنين على الفعل الجُرميّ. لكلّ واحدٍ منهما أفلام مهمّة، تُثير رغبةً في المُشاهدة والنقاش والتحليل. نقاد غربيّون غير آبهين بالاتهامات، إنْ تكن مؤكّدة أو لا، فيتعاطون مع المُنجَز السينمائيّ، لأهميته متنوّعة الأشكال. أو لسطحيّته، فلا شيء كاملاً، ولا بهاء دائماً.
لجودي فوستر في هذا قول: "لكايت وينسلت، مؤخّراً، رأي يقول إنّها غير قابلة لـCarnage اليوم (بولانسكي، 2011، تُمثِّل فيه مع فوستر). أعتقد أنّ لي الإجابة نفسها. في الوقت نفسه، رومان بولانسكي أنجز أفلاماً مهمّة وكبيرة، مؤثّرةٌ فيّ كثيراً. هذا، لا أستطيع خلعه عنّي أبداً. بعد ذلك، لدينا جميعاً الحقّ في قبول العمل معه، أو في رفضه" (المجلة السينمائية الفرنسية "بروميير"، فبراير/ شباط 2021).
لا شبيه عربياً لهذا. الأقاويل طاغية. التأكيدات العملية غائبة. التردّد حاصل. لذا، يتغاضى الناقد عن فيلمٍ، لمخرجه سلوكٌ سيئ، وهذا غير نافعٍ لسينما، تريد توثيقاً، أو تبغي قولاً. لعلّ الناقد مخطئ. لعلّ المسألة أعقد من كلّ شيء. لا ملامة ولا حكم مسبقاً. الفيلم باقٍ. الأقاويل لن تبقى أقاويل "إلى الأبد". المستور سينكشف، لكنّ النقاش مؤجّل.