فجر اليوم السبت، استُشهدت صانعة الأفلام والكاتبة الفلسطينية ولاء سعادة (1990-2024)، بعدما قصف الاحتلال خيم النازحين في مدينة دير البلح.
وُلدت سعادة في بيت حانون، شمالي قطاع غزة، وبدأت مسيرتها ككاتبة سيناريو. ثم بدأت بصناعة أفلام وثائقية وأفلام قصيرة، كما عملت في مؤسسات المجتمع المدني كمنسقة ومدربة منذ عام 2010.
لعلّ أشهر أفلام سعادة هو فيلم "خيوط من حرير" (2019) الذي يوثّق الحكايات الشعبية عن فلسطين من خلال التطريز بخيوط الحرير على قطع قماش لصناعة الثوب الفلسطيني الذي تمسكت به النساء كامتداد لقصصهن التي عشنها قبل النكبة والتهجير.
في الوثائقي تتبّعت كاميرا سعادة التراث الحضاري والفلكلوري الفلسطيني، بما فيه من المدن ذات الطابع الجبلي وتلك ذات البيئة الساحلية والبيئة البدوية، وكذلك الطبيعة من أشجار السرو، والتنوع الجغرافي، النهر والجبل والتل، لتتزين بها العرائس، جيل عن جيل، في أفراحهن ومناسباتهن.
طيلة الشريط التسجيلي نتعرف على قصتي سيدتين بدويتين في غزة بدأتا التطريز منذ نعومة أظفارهما، لينتقل معهما لاحقاً إلى مكان آخر ويبقى حافظاً لذكرياتهما.
في حديث إعلامي سابق، قالت سعادة: "ركزت في الفيلم على أم فرج وابنتها غالية، فهما تعتبران التطريز جزءاً من حياتهما، كما يعبّر في ذات الوقت عن علاقتهما بالأرض وكونه إرثاً عائلياً، فقد حمل كثير من الفلسطينيين الأثواب معهم من أيام النكبة كذكرى، وكانت أم فرج واحدة منهم".
دائماً ما أصرت سعادة على استحضار غزة في أفلامها. ففي "خيوط من حرير" نتابع في خط مواز لقصة التطريز بمشاهد لمسيرات العودة (2018)، وتوضح سعادة أنها أرادت تناول قصص تدور في محيط حياة "أم فرج"، وتشبه علاقتها بالأرض والحنين إليها، وهو ما يحيل إليه التطريز منذ البداية. وقالت في تعليق على استحضار هذه المشاهد: "ربما الربط السينمائي ليس قوياً، لكن في النهاية الأعمال السينمائية مفتوحة للمشاهد للنقد والتعبير كيفما يريد أو يرى، وأنا أنتظر كل الآراء والتعليقات بحب".
وفي حديث عام 2019 مع موقع "عرب 48"، استعادت ولاء سعادة علاقتها بالسينما قائلةً: "يراودني حلم صناعة الأفلام منذ طفولتي، وشغفي كبير بمجال الإخراج الذي لم أكن أعلم عنه شيئا من قبل، لكنّي بدأت بالبحث في هذا المجال خلال دراستي للغة العربية، وعملت على تنمية هذا الشغف من خلال الدورات التدريبية والمحاضرات عبر الإنترنت".
وكانت أفلام سعادة قد شاركت في عدد من المهرجانات السينمائية في فلسطين وخارجها.
وقبل نجاح شريطها "خيوط من حرير"، قدّمت الشهيدة مجموعة من الأفلام، عرضت بشكل خاص ضمن مهرجان أفلام المرأة "بعيون النساء" الذي ينظّمه مركز شؤون المرأة في قطاع غزة. وتطرقت بشكل خاص إلى قصص النساء الفلسطينيات، خصوصاً داخل القطاع المحاصر. عام 2017 وفي الدورة الخامسة من المهرجان، قدّمت فيلهما الذي حمل عنوان "هذه حياة لي". وهو فيلم تسجيلي يتناول قصة فتاة عانت في حياتها وطفولتها، وواجهت الكثير من المصاعب والعقبات، تحدّتها جميعاً وتغلبت عليها، وأعادت رسم طريقها المحكوم عليه بالفشل.
ومع انتشار خبر استشهادها، نعاها مئات الغزيين الذي عرفوها عن كثب، فانتشرت صورها، ومقاطع من أفلامها، خصوصاً "خيوط من حرير" على مواقع التواصل الاجتماعي. بينما تساءل كثيرون حول موقف المؤسسات الثقافية والفنية حول العالم، من استهداف الاحتلال المتواصل للفنانين والمثقفين في القطاع، من دون أن تحرّك الجهات الدولية أي ساكن، أو تتخذ أي خطوة لتأمين الحماية لهؤلاء في وجه آلة القتل الإسرائيلية.
عمد الاحتلال إلى قتل الفنانين والكتّاب في مختلف أنحاء فلسطين، واعتقال بعضهم على خلفية أعمال فنية ومحتوى فني. وقد رصدت وزارة الثقافة الفلسطينية استشهاد 44 من العاملين في قطاع الثقافة من مبدعين وكتّاب خلال عام 2023.