مع كل إطلالة للمتحدث باسم كتائب القسام، أبو عبيدة في وسط العدوان الإسرائيلي المتواصل على القطاع، يستذكر الجزائريون صوت الثورة الجزائرية، محمد عيسى مسعودي، الذي كان يصل عبر إذاعة الجزائر الحرة، إلى أسماع الثوار في جبال الجزائر مدوياً، يرفع الهمم ويبشر بالانتصارات القادمة لا محالة.
"هنا صوت الجزائر الحرة المكافحة"، هكذا كان يبدأ عيسى مسعودي بثه على إذاعة الثورة الجزائرية من تونس ومن مناطق أخرى في الجزائر.
كان من قبيل الحظ الكبير لأيّة كتيبة من الثوار أن يتوفر لها راديو صغير تستمع من خلاله إلى عيسى مسعودي، ليمدّهم بجرعة ثورية وقدرٍ من الأمل، في ظل ظروف المقاومة الصعبة في الجبال و"الكازمات"، وهي عبارة عن أنفاق صغيرة ومخابئ تحت الأرض أقامها المجاهدون في الجبال.
عند انطلاق فقرته الإذاعية، يتحلّق المقاتلون حول الراديو، ويستمعون إلى عيسى مسعودي وهو يقول بصوت جوهري وثوري: "أيها المناضلون من أجل الحرية، يا أبطال في الجبال والشعاب والوديان".
ووصف الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين المذيع بأنه كان" كتيبة لوحده"، إذ كان مسعودي يؤدي دوراً مهماً في شحذ الهمم وشدّ العزائم ونقل انتصارات المجاهدين وأخبار الثورة وانكسارات الاحتلال الفرنسي العسكرية والسياسية إلى الثوار والجمهور الجزائري، تماماً كما يفعل المتحدث باسم القسام أبو عبيدة في الوقت الحالي من غزة.
وكان مسعودي يستهل حديثه الحماسي بلازمة يقول فيها: "أيها الشعب الجزائري المجيد، يا أبطالنا من جنود وفدائيين ومسبلين في كل مكان في الجبال والفيافي، في السهول والوديان في المجن والقرى، يا من تلقنون العدو وقوات الحلف الأطلسي كل يوم درسا في البطولة والاستشهاد وفي الصبر والجلد وتحققون كل يوم انتصارات جديدة في الداخل والخارج".
وكما يحرص الناطق باسم كتائب القسام في إطلالاته على طمأنة الفلسطينيين على سلامة الموقف العسكري للمقاومة وحفاظها على قدراتها وقدرتها على الاستمرار وإفشال خطط الاحتلال الإسرائيلي في القضاء عليها، كان مسعودي يسخر من خطط الاحتلال الفرنسي لمحاصرة الثورة الجزائرية، ويبلغ الجماهير بأن الثورة ماضية إلى هدف التحرير لا محالة.
ومثلما يبشر أبو عبيدة الشعب الفلسطيني بالنصر، كان قبله عيسى مسعودي صادقاً عندما بشر الجماهير الجزائرية والثوار بالانتصار، رغم المحاولات الانتقامية لجيش الاحتلال الفرنسي، فقال: "إننا كما هزمناهم في جميع العمليات والميادين، سنحرر كل المناطق وستصبح محرمة عليهم إلى الأبد، إن الاستعماريين لا يجدون أمام انتصاراتكم حلاً، إلّا بالانتقام الرخيص من الشيوخ والنساء والأطفال".
وقال الباحث في تاريخ الثورة الجزائرية سليم عوفة، في حديث مع "العربي الجديد": "لدى الجزائريين اليوم، في ظل الظروف التي تعيشها غزة وفلسطين، ما يذكرهم بالصوت الثوري عيسى مسعودي، مع كل إطلالة لأبو عبيدة، لتشابه المعركة والظروف والرسالة، ولتحقيق كليهما نفس الهدف مع اختلاف الظروف والسياقات"، مضيفاً أنّ "عيسى مسعودي الذي توفي عام 1994، "ظل أيقونة كبيرة ودلالة على أهمية الاتصال الثوري المنطلق من عمق المقاومة في معركة التحرير".
وأولت الثورة الجزائرية أهمية مبكرة للإعلام، ونجحت من خلال عددٍ من الكوادر الثورية، مثل عبد القادر نور ولمين بشيشي وغيرهم، في إنشاء إذاعة الجزائر الحرة للتواصل مع الثوار والجماهير. وكانت الإذاعة تبثّ من تونس وتنتقل من مكان إلى آخر لتجنب ملاحقة القوات الفرنسية التي كانت تسعى لاستهدافها.