في عام 1963، قدم السياسي البريطاني جون جاك بروفومو (1915 - 2006) استقالته من منصبه وزيرَ دولةٍ لشؤون الحرب، على أثر فضيحة مدوية هزت المجتمع البريطاني. عُرفت هذه الفضيحة بقضية بروفومو، التي ينظر إليها كواحدة من أكبر الفضائح في تاريخ السياسة البريطانية خلال القرن العشرين. تجاوزت قضية بروفومو حدود السياسة لتفجر نقاشات حول العرق والجنس والملكية والثقافة، ولا تزال رغم مرور هذه السنوات ماثلة في أذهان البريطانيين عبر العديد من الأعمال المسرحية والدرامية التي تعرضت لها.
تعود القضية للنقاش هذه الأيام بفضل مجموعة من الناشطين والفنانين لا بدافع التذكير بها، بل لإعادة النظر في وقائعها وتداعياتها. يتم تسليط الضوء على قضية بروفومو حالياً عبر معرض استضافه غاليري ليستر في جامعة دي مونتفورت البريطانية، تحت عنوان "إعادة النظر في قضية بروفومو".
كانت استقالة الوزير البريطاني جون بروفومو من منصبه، نتيجة طبيعية بعد افتضاح تفاصيل علاقته بشابة صغيرة تعمل في أحد النوادي الليلية، وهي كريستين كيلر (1942 - 2017)، التي كانت في وقت العلاقة في التاسعة عشرة من عمرها. ما فاقم من الفضيحة، أن كيلر كانت على علاقة في الوقت نفسه مع المُلحق العسكري السوفييتي في بريطانيا، يفغيني إيفانوف. تفجرت هذه الفضيحة في وقت كانت الحرب الباردة على أشدها بين الاتحاد السوفييتي والغرب، ومن هنا كانت حساسية القضية وأهميتها.
إطلاق نار على الشقة التي كانت تقيم فيها كريستين كيلر من قبل أحد عُشاقها، أدى إلى فتح تحقيق في الحادث، الأمر الذي فجر وقائع هذه الفضيحة في النهاية. شغلت هذه القضية الرأي العام البريطاني لفترة، إذ لم تقتصر تداعياتها على هز الثقة في هؤلاء الذين يتولون السلطة فقط، بل كانت لها أبعاد أخرى اجتماعية وثقافية، حتى أن تداعياتها قد طاولت النظام الملكي البريطاني نفسه؛ إذ كان من المتورطين فيها واحد من اللوردات البريطانيين أيضاً.
يضم المعرض الذي تستضيفه جامعة مونتفورت البريطانية بمناسبة يوم المرأة العالمي، مواد أرشيفية ونماذج لتغطيات الصحف البريطانية لهذه الفضيحة، وصوراً فوتوغرافية ورسوماً وأعمالاً فنية تستكشف حسب منظميه "التفسيرات الجنسانية التي سيطرت على الفهم العام للأحداث المتعلقة بهذه الوقائع". تسلط الأعمال المشاركة الضوء على طبيعة المجتمع البريطاني في ذلك الوقت وثقافته، وكيف تناولت الأعمال الدرامية والعروض المسرحية التي تعرضت لهذه القضية التفاصيل المتعلقة بها.
افتتح المعرض في الثالث من الشهر الحالي، بحضور سيمور بلات، ابن كريستين كيلر، ويستمر حتى منتصف إبريل/نيسان المقبل، وهي الفترة نفسها التي شهدت تفجر الأحداث وتصاعدها قبل ستين عاماً.
يعيد المعرض النظر من جديد في قضية بروفومو، لكنه يسلط الضوء على نحو خاص على الشخصية الرئيسة في هذه القضية، وهي كريستين كيلر. كانت القضية التي شغلت الرأي العام وقتها قد سببت الفضيحة للعديد من الشخصيات العامة، غير أن كريستين كيلر قد تحملت العبء الأكبر من هذه الفضيحة، فقد لاحقتها وصمة العار حتى وفاتها متخفية تحت اسم مستعار.
لم تسلم كيلر حتى من التغطيات الصحافية والآراء المنحازة تجاهها، في حين استعاد معظم الأطراف الأخرى التي كانت لها علاقة بتلك القضية مكانتهم الاجتماعية، ومن بينهم جون بروفومو نفسه. على الرغم من تأثر حياة بروفومو السياسية، إلا أنه ظل طوال حياته يمارس دوراً اجتماعياً كأحد الشخصيات المرموقة في المجتمع البريطاني. من خلال موقعه كرئيس لإحدى المؤسسات الخيرية البريطانية، حصل بروفومو على العديد من الجوائز والتكريمات، حتى أنه ظهر إلى جانب الملكة في حفل عيد الميلاد السبعين لرئيسة الوزراء البريطانية الراحلة مارغريت تاتشر.
يعيد المعرض الاعتبار إلى كريستين كيلر، التي تحملت بمفردها عبء هذه الفضيحة المدوية، إذ لا يتم التعامل معها هنا كمتهمة، بل كضحية لمجموعة من السياسيين والمنتفعين.
يسلط المعرض الضوء كذلك على حياة كيلر وطفولتها البائسة في مقاطعة بيركشاير، وانتقالها في سن المراهقة إلى لندن، وكيف تم استغلالها وهي في هذه السن الصغيرة من قبل أحد المقربين من عالم السياسة، والذي قدمها بدوره إلى بروفومو وأصدقائه.
لا يقتصر المعرض على إعادة النظر في هذه القضية فقط، بل يسلط الضوء كذلك على بعض الظواهر الثقافية والفنية في تلك الحقبة. واحدة من الصور الفوتوغرافية التي يضمها المعرض، تعود إلى عام 1963، وهي للمصور البريطاني لويس مورلي.
تظهر في الصورة كيلر جالسة شبه عارية على كرسي. تحولت هذه الصورة في ما بعد إلى أيقونة بصرية لدى الشباب البريطاني في تلك الفترة، كنوع من التمرد والنزعة التحررية التي سيطرت على أفكار الجيل الصاعد وقتها. حظيت هذه الصورة بشعبية لدى جيل الشباب، كما حظي مصورها بشهرة واسعة. حتى هذا الكرسي الذي كانت تجلس عليه كريستين كيلر والمعروف بكرسي "جاكوبسن 7"، تحول إلى صيحة في تصميم الأثاث وقتها. ساهم ارتباط الكرسي ببطلة القضية في انتشاره على نطاق واسع، وكان سبباً في ثراء مصممه البلجيكي آرني جاكوبسن (1902 - 1971). يتيح المعرض لزواره الجلوس على نسخة طبق الأصل من هذا الكرسي والتقاط الصور لإعادة تمثيل الصورة الأيقونية لكريستين كيلر.