قررت شركة المتحدة للخدمات الإعلامية، التابعة مباشرة للمخابرات المصرية، عدم فتح باب التوظيف للصحافيين والإعلاميين، أو إجراء مقابلات عمل بشأن اختيار طواقم العمل، في القنوات الإخبارية الثلاث الجديدة، المقرر إطلاقها قبل نهاية العام؛ اثنتان منها تختصان بالأخبار الدولية والإقليمية، والثالثة للترويج لما يُعرف بـ"المشروعات القومية" في مصر، وفق ما كشفت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد".
ونقلت المصادر نفسها عن الصحافي الشاب أحمد الطاهري الذي اختارته الشركة رئيساً للقنوات الإخبارية المملوكة لها، بناءً على توصية من مدير مكتب رئيس جهاز المخابرات العامة العقيد أحمد شعبان، قوله صراحة لبعض المقربين منه "إنه لا توجد فرص عمل نهائياً للصحافيين والإعلاميين المصريين في القنوات الإخبارية الجديدة". وأضافت أن "الطاهري اشتكى في حديثه من الاتصالات المتكررة للصحافيين العاطلين عن العمل، أو العاملين منهم في الصحف القومية والخاصة، وكذلك في القنوات المصرية، منذ الإعلان عن رئاسته للقنوات الإخبارية قبل أيام، للسؤال عن موعد مقابلات العمل في القنوات الجديدة"،
وطالبت الصحافيين والعاملين في القطاع بـ"عدم إزعاجه مجدداً بالاتصال هاتفياً أو عبر تطبيق واتساب، لأن الشركة لا تعتزم إجراء مقابلات من الأساس". وأوضحت المصادر أن "المتحدة للخدمات الإعلامية" قررت الاعتماد على مائتي شخص من خريجي "البرنامج الرئاسي لتدريب الشباب"، الخاضع مباشرة لإشراف الرئيس عبد الفتاح السيسي والمخابرات العامة، في تشغيل القنوات الإخبارية الجديدة، وتعيينهم في مجالات الإعداد وتقديم البرامج والنشرات بعد تدريبهم على أيدي متخصصين، رغم أنهم لا يملكون خبرة في مجال الصحافة والإعلام.
وأشارت إلى أن استبدال الصحافيين من أصحاب الخبرات بمجموعة من خريجي "البرنامج الرئاسي لتدريب الشباب" يأتي في سياق عام من تهميش الصحافيين المصريين وتجويعهم، والاعتماد بدلاً منهم على "أبناء الذوات" المُتحرّى عنهم أمنياً، ضماناً لعدم وجود صحافيين أو مذيعين "مستقلين" أو محايدين - إن جاز التعبير - سواء في قنوات الشركة أو في الإعلام المصري عامّة.
وأكدت المصادر أن هذا السيناريو بات واضحاً في قناة إكسترا نيوز الإخبارية التابعة للشركة، إذ أصبح أغلب مذيعيها من أبناء لواءات الجيش والشرطة، وزوجات الضباط، وأقارب أعضاء مجلس النواب، على غرار دينا زهرة وخلود زهران وآية عبد الرحمن ونانسي نور ولؤي أباظة، في مقابل عدد محدود من الصحافيين المتخصصين الذين يقتصر دورهم على إعداد برامج الهواء.
وبينت أنه لا مجال لعمل صحافي أو مذيع، أو حتى عامل في بوفيه إحدى القنوات المملوكة لـ"المتحدة للخدمات الإعلامية"، من دون بحث وتحرٍّ أمني عنه لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر، وتتبع حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي لضمان ولائه الكامل للنظام وأجهزته الأمنية، وعدم اتخاذه مواقف معارضة له في فترات سابقة من حياته.
ورأت المصادر أن إجراءات شركة "المتحدة للخدمات الإعلامية" تزيد من معاناة الصحافيين المصريين الذين يئنون تحت وطأة الغلاء حالياً، بسبب ثبات دخولهم على مدى السنوات الأخيرة، رغم التراجع الكبير في قيمة الجنيه مقابل الدولار، وتضاعف أسعار جميع السلع والخدمات الأساسية، ما دفع الكثير منهم إلى ترك المهنة، والعمل لدى تطبيقات سيارات الأجرة مثل "أوبر" و"كريم"، أو كمشرفين على العمال في العاصمة الإدارية الجديدة كي يوفروا قوت يومهم.
تتراوح رواتب الصحافيين في مصر بين ألفي جنيه وخمسة آلاف شهرياً في الصحف المملوكة للشركة، ومنها الوطن والدستور ومبتدأ، بينما ينخفض هذا الراتب إلى 1500 جنيه فقط في صحيفة خاصة مثل الشروق التي دعا أخيراً رئيس تحريرها، وهو عضو في مجلس الشيوخ المعين من السيسي، عماد الدين حسين، إلى عدم عمل الصحافيين في مكانين متنافستين بزعم أنه سيؤدي إلى "تدمير المهنة".
تمتلك "المتحدة للخدمات الإعلامية" مجموعة قنوات دي إم سي والحياة وسي بي سي وإكسترا نيوز والمحور والناس وأون وتايم سبورتس والنادي الأهلي ونادي الزمالك، فضلاً عن برامج القناة الأولى والفضائية المصرية المُذاعة على التلفزيون الرسمي، ومحطات الراديو شبكة راديو النيل وميغا إف إم ونغم إف إم وشعبي إف إم وراديو هيتس وراديو 9090.
تجفيف منابع الصحافة وتصفيتها بمحاربة الموهوبين والمهنيين طاول المئات من الصحافيين المصريين، عدا أولئك الذين تمكنوا من التحايل على الرقيب الأمني بالتحول للكتابة في الفنون والثقافة كمخرج من التملق، والاعتماد على صحافة البيانات الرسمية والحكومية، وسط ظروف أمنية واقتصادية بالغة الصعوبة، ومنظومة أجور هزيلة، وتهديدات مستمرة مع حجب نحو 116 موقعاً صحافياً وإعلامياً، والزج بـ25 صحافياً في السجن خلال العام الماضي.
وفي 30 يونيو/ حزيران الماضي، أصدرت منظمة مراسلون بلا حدود تقريراً من 27 صفحة عنوانه "دمى السيسي"، ركزت فيه على الجانب الخفي للانتهاكات المرتكبة ضد الصحافيين في مصر، وبيئة العمل التي لا تُطاق بسبب حملات الكراهية والتنمر والتشهير، مشددة على أن "هذه الهجمات تتم تحت إشراف أجهزة الدولة الأمنية، وتواطؤ مع مذيعين يُعدون من نجوم المشهد الإعلامي في البلاد".
ورصدت المنظمة عشرات العناوين التهجمية والزائفة التي تستهدف الصحافيين المستقلين في الصحف والمواقع المصرية، ومن بين هذه الأوصاف: عميل لجهات أجنبية، وبوق الإخوان، وشخص ذو أخلاق سيئة، ناهيك عن الاتهام بخيانة الوطن تارة، وزرع الفوضى تارة أخرى، واللجوء إلى كل الأساليب والطرق غير المشروعة لتشويه السمعة المهنية أو الحياة الشخصية للصحافيين.
إلى ذلك، أعلن نقيب الصحافيين المصريين، ضياء رشوان، في 6 يوليو/ تموز، عن موافقة رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، على زيادة قيمة بدل التدريب والتكنولوجيا لأعضاء نقابة الصحافيين بنسبة 19.05%، والإعلان لاحقاً عن موعد صرف البدل بالزيادة الجديدة الذي يحصل عليه الصحافيون شهرياً من الحكومة، مراعاةً لتدني رواتبهم في الصحف القومية والحزبية والخاصة على حد سواء. وبذلك، ارتفعت قيمة البدل للصحافيين المصريين من 2520 جنيهاً إلى 3 آلاف جنيه، علماً أن البدل قبل الزيادة كان يعادل 160 دولاراً تقريباً، حين كان الدولار الأميركي يساوي 15.7 جنيهاً حتى 21 مارس/ آذار الماضي، بينما سيعادل نحو 159 دولاراً فقط بعد الزيادة، علماً أن سعر الصرف الحالي هو 18.9 جنيهاً للدولار.