إنّه عامٌ جديد. كلّ التمنّيات ستبقى مُعلّقة، فالواقع يفرض شروطاً غير متوافقة مع تمنيات، أبرزها إمكانية الخروج من خرابٍ يحلّ في العالم، ومن موتٍ وانهيار يصنعان يوميات بيروت، ولياليها المظلمة. الموت مُتنوِّع الأشكال. الانهيارات كثيرة. الارتباكات الفردية منبثقةٌ من تمزّقات وخيبات وصدمات، تبدو كأنّها لن تنتهي. هذا ليس تشاؤماً، بل عيش. هذا ليس تشاؤماً كاملاً، فبعض المسائل يُنتج شيئاً من مُتعٍ وتسلية، وقدرة على تمضية وقتٍ خارج القهر والألم.
السينما أبرز تلك المسائل. هناك قراءات وصداقات وسهرات أيضاً. كلّ مصائب العامين الفائتين عاجزةٌ عن أذيّة السينما، رغم ضرباتٍ موجعة بين حينٍ وآخر. إلحاحُ سؤال المُشاهدة وطقوسها وأساليبها غير مُهمّ، فتجاوزه حتميّ، لأنّ الهدف أسمى: المُشاهدة بحدّ ذاتها. أفلامٌ كثيرة تتهيّأ للعرض. مشاريع كثيرة تحتاج إلى لمساتٍ أخيرة لتكتمل، وأخرى ستُصوَّر قريباً. الصالات تستعيد حيويتها تدريجياً، وخطر الإقفال التام يخترقه رفض أصحاب صالاتٍ إغلاقها في فترة عيدي الميلاد ورأس السنة الميلادية، على الأقلّ، في مدنٍ مختلفة.
السينما تبقى ملاذاً وخلاصاً، رغم تعليقات فيسبوكية يدّعي كاتبوها براعة مُشاهدة تُتيح لهم إبداء رأي. تشويه وأخطاء ومزايدات تملأ فيسبوك، في مقابل ندرة ما يُحرِّض، فعلياً، على نقاشٍ هادئ. حملات ضد نتاجٍ متأتية من قراءة خبرٍ أو معرفة حبكةٍ، لا من مُشاهدةٍ. الأسوأ كامنٌ في أنّ مهاجمي النتاج يسخرون من قولٍ يُطالب بالمُشاهدة قبل التعليق، خصوصاً عندما يتعلّق الأمر بقضيةٍ تمسّ جماعاتٍ. هؤلاء غير آبهين بالسينما، رغم ادّعاء يقول عكس ذلك. هؤلاء ينشطون لمجرّد إظهار التزاماتٍ لهم إزاء قضية، فيطرحون أنفسهم مناضلين من أجل حقّ، من دون أدنى انتباه إلى أنّ الصنيع السينمائي برمّته يؤدّي دوراً أساسياً في التعبير عن قضيةٍ، إنْ يمتلك الفيلمُ المقصود قضيةً.
هذه مُصيبة يُمكن تجاوزها، فللبعض القليل وعيٌّ معرفيّ يُتيح له تعليقاً أو كتابةً يُثيران متعة القراءة، ويحثّان على نقاشٍ هادئ. للفيسبوك محاسنه أيضاً، إذْ يُعرّي ـ يوماً تلو آخر ـ أفراداً يظنّون أنّ امتلاكهم معجماً ما، يسمح لهم بقول أيّ شيء، كيفما يكنْ.