يبدأ الصحافي السابق في صحيفتي "كوميرسانت" و"فيدوموستي" الروسيتين، ومستشار وكالة الفضاء الروسية (روسكوسموس)، إيفان سافرونوف، اليوم الجمعة، عامه الرابع خلف القضبان بعد إدانته بـ"الخيانة العظمى" بموجب المادة 275 من القانون الجنائي الروسي، وصدور حكم بسجنه لمدة 22 عاماً في سبتمبر/ أيلول من العام الماضي، وهو أحد أشد الأحكام في القضايا التي ينظر إليها في روسيا.
وسافرونوف صحافي متخصص في شؤون قطاع التصنيع العسكري، ولد في موسكو عام 1990، وتخرّج عام 2010 في المدرسة العليا للاقتصاد في تخصص الإعلام، ثمّ عمل في صحيفة "كوميرسانت" حتّى تسريحه عام 2019، إثر نشره مقالاً حول احتمال استقالة رئيسة مجلس الاتحاد (الشيوخ) الروسي، فالينتينا ماتفيينكو.
وبعدها، عمل في صحيفة "فيدوموستي"، قبل تعيينه مستشاراً لمدير عام "روسكوسموس"، دميتري روغوزين، في مايو/ أيار 2020، حتى اعتقاله في 7 يوليو/ تمّوز 2020.
منذ أيامها الأولى، أثارت قضية سافرونوف تضامناً واسعاً في أوساط الصحافيين والمثقفين والحقوقيين الروس، إذ لم يكشف عن جوهر التهم التي أدين بها حتى بعد صدور الحكم، باستثناء تسريبات حول تسليمه بيانات سرية حول التعاون العسكري - التقني وقطاع الدفاع الروسيين للأجهزة الاستخباراتية لحلف شمال الأطلسي (ناتو).
وتعتبر الصحافية والرئيسة المشاركة لنقابة الصحافيين والعاملين بوسائل الإعلام (منحلة حالياً)، صوفيا روسوفا، أنّ انتهاكات عديدة تخللت التحقيقات في قضية سافرونوف، مؤكدةً براءته و"وجود دوافع سياسية خلف قضيته بهدف التضييق على الصحافيين المستقلين".
وتقول روسوفا، في حديث لـ"العربي الجديد": "بعد علمي باعتقاله، شاركت في الاعتصامات الفردية دعماً لسافرونوف، وقد أوقفتني الشرطة، وصدر حكم بتغريمي. كذلك، أطلقنا في نقابتنا حملة جمع توقيعات لدعم إيفان، وقد تمكنا من جمع توقيعات نحو 700 صحافي محترف".
وتلفت الصحافية إلى مجموعة من الضغوط تعرّض لها سافرونوف ودفاعه أثناء التحقيق، قائلة: "وضع إيفان لفترة طويلة جداً رهن الحبس الاحتياطي متجاوزاً المدة القصوى المسموح بها للاحتجاز، ووضع بشكل متكرر رهن الحبس الانفرادي، وتعرّض لمختلف الضغوط النفسية حتى يقبل بعقد صفقة مع التحقيق".
وتضيف: "مع ذلك، لم يعترف بالتهم الموجهة إليه قناعة منه ببراءته، وتعرّض محاموه لمضايقات اضطر أحدهم، إيفان بافلوف، لمغادرة روسيا على إثرها".
وتعتبر روسوفا أنّ التضييق على الصحافيين في روسيا، بما في ذلك سجن سافرونوف، له أبعاد سياسية، قائلة: "تعتبر السلطة الحالية مؤسسة الإعلام في حد ذاتها عدواً، وهي غير مستعدة للسماح بالعمل إلا لمن يدعم وجهة نظر الدولة دعماً كاملاً".
وتذكر الصحافية الروسية أن جميع من يعرفون سافرونوف يشيدون بمهنيّته، مشيرةً إلى أنّه "من المستحيل التصور حتى نظرياً أنه ارتكب أخطاء حمقاء مثل التآمر مع جهاز مخابرات ما، من دون التفكير في خطورة ذلك". وتوقّعت أن يستمر سجن سافرونوف ما لم تحدث تغييرات سياسية في البلاد.
من جانب آخر، يرى رئيس النادي الأوراسي للتحليل في موسكو، نيكيتا ميندكوفيتش، أنّ عمل سافرونوف صحافياً وعدم اطلاعه على بيانات سرية لا يعني براءته من التهم التي أدين بموجبها، لافتاً إلى أنّ "الصفة الصحافية هي الغطاء الأنسب لعمل العملاء، كونها تقتضي جمع معلومات بحكم المهنة".
ويقول ميندكوفيتش، في حديث لـ"العربي الجديد": "عند الحديث عن عالم الاستخبارات، يخلط الناس بين مفاهيم الجاسوس والعميل وحامل الأسرار. عندما يصل جاسوس إلى بلد جديد، تحت غطاء دبلوماسي في أغلب الأحيان، فهو لا يستطيع الاطلاع على الأسرار المحلية بنفسه، ولكن يمكنه تكوين شبكة من العملاء، أي مجموعة معاونين محليين يستطيعون الحصول على هذه الأسرار، وتسليمها له مقابل مال، أو لدوافع الكراهية لبلدهم أو غيرها".
ويضيف: "يبحث العملاء عن مصادر بالجهات الحكومية، والعمل في الصحافة هو الغطاء الأنسب لمثل هذه العمالة، لأن طبيعة عمله في الأساس تقتضي البحث عن المعلومات حول مختلف الملفات. يبدو أن سافرونوف تمكّن من التعرّف على بعض المصادر بالمصانع الدفاعية التي كانت تشاركه معلومات حول النسخ التصديرية من الأسلحة، مما أتاح له جمع معلومات حول الإمدادات إلى المشترين الأجانب وساعد الغرب في إفشال بعض الصفقات".
من اللافت أن أحد تقارير سافرونوف المثيرة للضجة أثناء عمله في "كوميرسانت" عام 2019، تناولت تعاقد روسيا على توريد عشرات المقاتلات من طراز "سو-35" إلى مصر، ممّا دفع القاهرة للتراجع عن إكمال الصفقة، بعد تسرّب معلومات عنها.
ويعلق ميندكوفيتش على الصدمة التي أصيبت بها الأوساط الصحافية بعد اعتقال سافرونوف، قائلاً: "من البديهي أن الجاسوس الذي يمكن ظنه جاسوساً بسهولة جاسوس سيء. على الجاسوس أو العميل ألا يكون لافتاً للأنظار أو مثيراً للشبهات، وعند اعتقاله يجب أن يصاب المحيطون بالدهشة. ولكن ذلك لا يدل على البراءة، وإنما على الجودة العالية للأداء".
وكانت محكمة مدينة موسكو قد أصدرت في بداية سبتمبر/ أيلول الماضي حكماً بإدانة سافرونوف، وسجنه لمدة 22 عاماً مع أداء العقوبة في إصلاحية ذات نظام مشدد.
وفي فبراير/ شباط الماضي، نقل الصحافي إلى إصلاحية ذات نظام مشدد في إقليم كراسنويارسك الواقع في سيبيريا، ثم قدم محامون في مايو/ أيار الماضي، طعنا أمام المحكمة العليا الروسية التي من المنتظر أن تنظر فيه في 2 أغسطس/ آب المقبل.
واللافت أن تطبيق المادة 275 المثيرة للجدل في روسيا، لا يقتصر على ملاحقة من اطلعوا على بيانات سرية، في إطار خدمتهم أو دراستهم أو عملهم، بل أيضاً في "حالات أخرى"، وتنطبق كذلك على من يقدم "عوناً استشارياً" في نشاط لدولة أو منظمة أجنبية يستهدف أمن روسيا، ممّا يوسع مجال التفسير والتطبيق الواسع لمفهوم "الخيانة العظمى"، وقد يطاول أشخاصاً من غير الموظفين بالدولة أمثال سافرونوف وغيره.
وفي إبريل/ نيسان الماضي، أصدر القضاء الروسي حكماً غير مسبوق بالسجن المشدد لمدة 25 عاماً بحق المعارض السياسي، فلاديمير كارا-مورزا، بعد إدانته بتهم عدة، من بينها "الخيانة العظمى".
وفي الوقت الذي لم يجر فيه الكشف عن جوهر تهمة "الخيانة" الموجهة إلى كارا-مورزا، عُرف السياسي المعارض الذي يحمل الجنسية البريطانية إلى جانب الروسية، بترويجه فرض عقوبات غربية بحق مختلف المسؤولين وأفراد القوة وكبار رجال الأعمال الروس.