دخل صحافيو "التلفزة الوطنية التونسية" منذ مساء الإثنين في اعتصام مفتوح، "من أجل الدفاع عن استقلالية الخط التحريري للمؤسسة باعتبارها مرفقاً عمومياً وعن حقوقهم المشروعة، في مواجهة المضايقات التي يتعرضون لها والضرب المعلن للحق النقابي".
وأفاد بيان للنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، الثلاثاء، بأن هذا القرار يأتي بعد "انعدام التفاعل الجدي والمسؤول، سواء من ممثل الحكومة المكلف بملف الإعلام وزير الشؤون الاجتماعية، أو من قبل المكلفة بتسيير المؤسسة"، رغم التحركات التي شملت وقفة احتجاجية وحمل الشارة الحمراء منذ 11 مارس/آذار الحالي.
وقرر صحافيو المؤسسة الدخول في اعتصام في مقر المؤسسة، بعد "تواصل تدهور المناخ الاجتماعي، خاصة إثر جملة الاتهامات المغلوطة التي وجهتها المكلفة بتسيير التلفزة لأبناء المؤسسة التي تنضاف إلى سياستها الممنهجة في تهميش المؤسسة وضرب الحق في العمل والحق النقابي والفشل في إيجاد الحلول لقسمي الأخبار والإنتاج"، وفقاً للبيان نفسه.
وأعلنت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين عن إضراب عام وطني في 2 إبريل/نيسان المقبل، في مؤسسات الإعلام الرسمي (مؤسسة التلفزة التونسية، ومؤسسة الإذاعة التونسية، ووكالة تونس أفريقيا للأنباء، والشركة الجديدة للطباعة والصحافة والنشر سنيب - لابراس).
وفي بيان أصدرته منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الثلاثاء، وصف نائب المدير التنفيذي في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إريك غولدستين، التلفزيون العمومي بـ"ساحة معركة جديدة"، مشيراً إلى أن الرئيس التونسي قيس سعيّد "شرع في تفكيك الرقابة المؤسساتية على حكمه منذ استحواذه على السلطة في يوليو/تموز، ولا عجب أنّ التلفزيون العمومي ضمن أهدافه".
في 25 يوليو/تموز، علّق سعيّد أعمال البرلمان، وأقال رئيس الحكومة، وأعلن عزمه التدخل في القضاء. في اليوم التالي، طردت الشرطة موظفي "قناة الجزيرة" من مقرّها في تونس. وفي 28 يوليو/تمّوز، غيّر سعيّد مدير القناة الوطنية. علّق سعيّد منذ ذلك الحين جزءاً كبيراً من الدستور، وحلّ "المجلس الأعلى للقضاء"، وهو هيئة تهدف إلى حماية استقلالية القضاء.
وحذرت "هيومن رايتس ووتش" من أنه إذا أقرّ مشروع المرسوم المتعلّق بالجمعيات، ستكون الحريّة التي حظيت بها المجموعات المستقلة منذ 2011 عرضة للخطر.
في غضون ذلك، تضمّنت خارطة سعيّد للعودة إلى الحكم الطبيعي "استشارة وطنيّة" حول المستقبل السياسي للبلاد، يتبعها استفتاء دستوري وانتخابات تشريعية في يوليو/تموز وديسمبر/كانون الأول على التوالي.
منذ أغسطس/آب، استثنت البرامج الحوارية على القناة الوطنيّة تقريباً كل من يُشكّك علناً في مسار الرئيس، ولم تستضف أيّ شخص ممن يصفون ما قام به بـ "الانقلاب"، أو ممن يُشككون في الحكمة من الاستشارة الوطنية.
وقال المصوّر في القناة الوطنية ونائب رئيس نقابة الصحافيين، ياسين البحري، لـ"هيومن رايتس ووتش"، إنه "من المفترض أن تكون قناتنا عمومية، وليس حكومية".
وكان نقيب الصحافيين التونسيين محمد ياسين الجلاصي قد صرح لـ"العربي الجديد"، هذا الشهر، بأن "التلفزيون التونسي يشهد أسوأ فترة له منذ الثورة التونسية عام 2011، فهو محتكر من قبل مساندين لقرارات الرئيس قيس سعيد، في حين يُغيب المعارضون". وأضاف أن "التلفزيون مموّل من قبل دافعي الضرائب، ومن المفترض أن يعبّر عن تركيبة المجتمع التونسي بمختلف ألوانه السياسية والاجتماعية".
وفي ظل هذه الردة في أوضاع الصحافيين التونسيين، لا يزال الصحافي خليفة القاسمي محتجزاً منذ الجمعة الماضي، بعدما قررت وحدة التحقيق في جرائم مكافحة الإرهاب إيقافه 5 أيام، بسبب رفضه الكشف عن في خبر حول تفكيك خلية إرهابية في القيروان.
وأطلق الصحافيون التونسيون وسم "#سيب_خليفة" مطالبين بالإفراج عن زميلهم، وتطبيق المرسومين "155" و"116" المنظمين للعمل الإعلامي في تونس، وعدم استعمال قانون مكافحة الإرهاب وتبييض الأموال للتضييق على حرية الصحافة.
وأصدرت "الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري" (الهايكا)، الثلاثاء، بياناً أعلنت فيه أنها "تريثت في اتخاذ موقف على اعتبار إمكانية وجود معطيات أخرى لا علاقة لها بالعمل الصحافي من شأنها تبرير هذا التصرف، إلا أن الأمر انحصر في مجرد الضغط على الصحافي من أجل كشف سرية مصادره خارج إطار قانون الصحافة الحامية لهذا الحق والمنظمة له، وفي مخالفة لأحكام الفصل 11 من المرسوم عدد 115". واعتبرت ما حصل "مؤشراً على انزلاق خطير في مجال الحقوق والحريات، وتهديداً واضحاً لحرية التعبير والصحافة في تونس".
وأصدر "الاتحاد الدولي للصحافيين" (الفيج) بياناً ندد فيه بإيقاف القاسمي، معتبراً أن مثل هذه الممارسات تعد تضييقاً على حرية الصحافة، وطالب الرئيس التونسي بتحمل مسؤوليته في حماية الصحافيين التونسيين وفتح قنوات حوار مع الهياكل الممثلة لهم.