لم تكن الصحافة العراقية تولي اهتماماً بالشؤون البيئية وضمنها العواصف الترابية والجفاف، لكن الأزمات التي تعاني منها البلاد أخيراً في هذا المجال أدت إلى تغيرات اجتماعية، منها الهجرة الكبيرة لسكان مناطق الأهوار جنوب البلاد، وتراجع منسوب المياه إلى حد جفاف الأنهر العراقية وأبرزها ديالى، ناهيك عن العواصف الترابية التي باتت تهب يومياً وأسبوعياً، ودفعت عشرات الصحافيين في المؤسسات الإعلامية المحلية إلى الاهتمام بالملف البيئي.
خلال السنوات الماضية، شهد العراق تغيرات مناخية وبيئية صُنفت بالخطيرة، لكن ظلت التغطيات الصحافية لها محدودة، إذ ما قورنت بالتغطيات للملفات الأمنية والسياسية، بل إن كثيراً من وسائل الإعلام العراقية بقيت تعتبر ملف البيئة من الملفات الثانوية، حتى إن دراسة سابقة لمؤسسة بيت الإعلام العراقي أشارت إلى عدم وجود أي صحيفة أو مجلة متخصصة بالبيئة، عدا واحدة تابعة لوزارة الصحة والبيئة، وهي "البيئة والحياة"، ولا تلقى اهتماماً كافياً.
في هذا السياق، قال الصحافي العراقي عبد الله المشهداني إنه "خلال السنوات الماضية، كانت التغطيات الإعلامية والصحافية لملفات البيئة لا تحظى باهتمام مديري المؤسسات الإعلامية، لأنها ليست مهمة بالنسبة للممول الخاص بالمؤسسة، لكن ما جرى تداوله خلال الأشهر الماضية من جفاف أنهر كثيرة، إضافة إلى الأهوار والعواصف الغبارية، فرض نفسه على هذه المنصات". وأضاف المشهداني، متحدثاً لـ"العربي الجديد"، أن "المؤسسات الإعلامية باتت خاضعة لتوجهات الرأي العام في مواقع التواصل الاجتماعي، وخلال السنوات الماضية كانت أصوات الناشطين في مجال البيئة ضعيفة، وربما غير مسموعة، لكن حالياً بات الجميع يتحدث عن التصحر، مما دفع المؤسسات الإعلامية إلى تبني هذا الخطاب البيئي وتخصيص أكثر من ساعة في كل يوم في القنوات الفضائية لهذه المسألة".
من جهتها، أشارت الصحافية العراقية، صبا سهيل، إلى أن "التقارير الصحافية عن البيئة في المؤسسات العراقية زادت في الآونة الأخيرة، يقابل ذلك زيادة في إدراك وسائل الإعلام لأهمية هذا النوع من الصحافة بالنسبة لمستقبل الإنسان على الأرض". وأكدت سهيل، لـ"العربي الجديد"، أن "بعض المؤسسات باتت تستقطب الصحافيين المتخصصين بهذا الملف، على غرار استقطاب الصحافيين المتخصصين بالسياسة أو الفنون أو الاقتصاد". وأضاف سهيل: "الحكومات العراقية والإعلام المحلي لم يكونا منتبهين إلى الأحداث البيئية، بسبب المشاكل الأمنية والسياسية والاجتماعية، كما أن هناك تقصيرا من قبل المنظمات الدولية المعنية التي كانت تنشغل كثيراً بدعم حقوق الإنسان وليس التوجه نحو القضايا البيئية الخطيرة"، معتبرة أن "بعض وسائل الإعلام تتجنب إنتاج ما يتعلق بالقصص والتقارير الوثائقية والاستقصائية عن البيئة لأنها تتطلب مبالغ مالية كبيرة، لأن الصحافيين سيحتاجون إلى التنقل كثيراً وزيارة أكثر من منطقة في البلاد".
واعتبر حميد العراقي، عضو فريق "حماة دجلة"، وهي منظمة متخصصة بالبيئة والمياه، أن "أكثر ما دفع الصحافة العراقية للاتجاه نحو الحديث عن الملفات البيئية هو الفظائع التي يتم تداولها عن الأهوار ونهر ديالى ومناطق باتت جافة تماماً، وتواجه أزمة حقيقية مع المياه"، وبيَّن لـ"العربي الجديد" أن "بعض المنظمات الدولية باتت تمول الصحافيين المستقلين لإنتاج قصص وتقارير ممولة عن مشاكل البيئة وسبل معالجتها في العراق، مثل صندوق الأمم المتحدة لدعم الديمقراطية". وأضاف العرافي أن "هناك قضايا كثيرة في البيئة لحد الآن لم يتم التطرق إليها بصورة واضحة ومباشرة، وتحديداً الحيوانات التي انقرضت والأخرى التي ستنقرض في مناطق متفرقة من البلاد، جرّاء المشاكل البيئية وتحديداً التصحر والجفاف"، مؤكداً أن "هناك حالة جيدة بدأت بتركيز في الصحافة العراقية على التغير المناخي وتلوث الهواء وإدارة مخلفات الحيوانات والتنوع الحيوي والأمراض والصحة والزراعة والإشعاعات النووية والتلوث والمياه والطاقة المتجددة والكوارث الطبيعية والسكان والحياة البرية وغيرها".
يواجه العراق مشاكل بيئية خطيرة، منها التصحر نتيجة عمليات جرف الغطاء الأخضر، وسوء إدارة أزمة المياه التي تسببت في موجة جفاف حادة، ناهيك عن الاعتداء على الغطاء النباتي وتعمّد تدمير البيئة الذي نتج أيضاً من الحملات العسكرية التي استدعت جرف القوات الأمنية آلاف الهكتارات من البساتين والأراضي الزراعية في مناطق عدة حول البلاد، ما حوّلها إلى أراضٍ قاحلة.