لم تنجُ الصحافية الفلسطينية دعاء مصلح من مخالب البطالة التي طاولت الكثير من صحافيي وصحافيات قطاع غزة، في ظل تزايد التحديات أمام الصحافيين الفلسطينيين الساعين للحصول على عمل في "مهنة المتاعب"، مع استمرار الانقسام وغياب التوظيف المؤسسي وحالة التردي في سوق الإعلام.
وتتقاسم العديد من الصحافيات الفلسطينيات الواقع ذاته، حيث يتحكم في قطاع الإعلام الفلسطيني العديد من العوامل، ومنها زيادة نسب الخريجين في أقسام الصحافة والإعلام في ظل واقع اقتصادي سيئ، وانعدام فرص العمل، وتوقف عدد من القنوات والمواقع الإخبارية المحلية والدولية، فيما تتجه بعض الصحافيات في أفضل الأحوال للعمل وفق آلية "القطعة"، ويتم فيها حصول الصحافي على مبلغ مقطوع، مقابل كل مادة صحافية تنشر. وتعاني المؤسسات الإعلامية المحلية منذ سنوات من أزمات مالية خانقة، وفق تعبير القائمين عليها، فيما تحظى وسائل الإعلام المطبوعة على نصيب الأسد في تلك الأزمة، ما دفع الصحافيات للعمل وفق نظام القطعة مع الصحف العربية والدولية، إلا أن شبح الأزمات والتوقف لاحقهن أيضاً.
بدأت الصحافية دعاء مصلح، وفق حديثها مع "العربي الجديد"، رحلتها مع عالم الصحافة والإعلام في الحقل الإذاعي، وقد تنقلت بين عدد من الإذاعات المحلية بفعل تدني الأجور وبحثها عن الأفضل، إلى أن بدأت أزمة كورونا في عام 2020 الماضي، والتي أوقفتها كليًا عن عملها في الإلقاء الصوتي مع موقع عربي وإذاعة محلية.
وتوضح مصلح أن توقفها المفاجئ عن العمل، سبّب لها حالة من الارتباك ووضعها في مأزق، ما دفعها إلى التفكير جديًا، والبدء بافتتاح مشروعها الخاص في التجميل، وهو مشروع بعيد عن تخصصها، الذي تقول إنها لم تشعر فيه بالأمان الوظيفي.
وتتخوف الصحافيات الفلسطينيات من مستقبل مجهول، بفعل تعرضهن لخفض الرواتب من مؤسساتهن الإعلامية، إلى جانب الفصل التعسفي، والذي يضعهن أمام مصير قاس، لا يجدن فيه الدخل الذي يعينهن على توفير حياة كريمة.
عوامل عدة أدّت إلى ارتفاع نسبة البطالة بين الصحافيات الفلسطينيات
أما الصحافية الفلسطينية ابتسام مهدي، والتي فقدت عملها أيضاً، فتوضح في حديث مع "العربي الجديد" أن أحوال العمل تبدلت منذ عام 2017، وذلك بعد إغلاق الصحيفة التي كانت تعمل بها، وكانت تختص بالجرحى الفلسطينيين، علاوة على توقف معظم المؤسسات الإعلامية التي كانت تعمل معها وفق آلية القطع، عن استقبال الأفكار.
وتبين مهدي أن الواقع الجديد دفع أوضاعها الاقتصادية إلى التردي، بشكل غير مسبوق، خاصة في ظل انعدام فرص العمل، وتتابع: "ما زلت أتواصل مع العديد من المواقع العربية، لكنني أشعر بالإذلال للموافقة على الفكرة التي أقوم بتقديمها، أو الرد على البريد الالكتروني الخاص بها، إذ باتت بعض الأعمال تتعلق بالواسطة".
وتوضح أنها وعلى صعيدها الشخصي تحاول البحث عن مجال عمل مختلف، وبعيد عن تخصص الصحافة، خاصة بعد أن انخفضت قيمة المكافأة الخاصة بالمواد الإعلامية، ووصولها إلى أقل من النصف في بعض الأحيان، ما تعتبره "إعداما لقيمة المادة الصحافية، وللصحافية التي تكتبها أيضًا، وتقول "ومع ذلك تجد من يقبل الكتابة مقابل أسعار زهيدة، وهذه مشكلة إضافية".
وتتأرجح الصحافيات الفلسطينيات بين خيارين، أحلاهما مُر، إذ تعاني بعضهن من انعدام أي فرصة للعمل، فيما يعاني البعض الآخر من ظروف العمل القاسية، والتي تتعرض خلالها لتقليص الرواتب، أو خفض أسعار المواد، أو حتى الفصل التعسفي والطرد.
وكان للصحافية الفلسطينية أميرة سمير تجربة قاسية، تعرضت لها بعد العمل في موقع إخباري فلسطيني محلي، حيث بدأت العمل في مجال الصحافة المكتوبة منذ نحو 20 عاماً، وقد تأثر العمل مع بداية الانقسام الفلسطيني في 2007.
وتبين سمير في حديث مع "العربي الجديد" أن تدهور الأوضاع الاقتصادية تسبب في أزمات مالية، ويتم تجاوزها، إلى أن جاءت جائحة أزمة كورونا، والتي أدت إلى إغلاق المؤسسة التي تعمل بها. وتقول أميرة: "تم إبلاغنا بمواصلة العمل لمن يرغب على سبيل التطوع نظرًا للأزمة المالية، ومن ثم معاودة الطلب للعمل مقابل مبلغ صغير للغاية، لكنني رفضت، وقمت برفع قضية نهاية خدمة، للمطالبة بمستحقاتي المالية".