استمع إلى الملخص
- تبعت "لوس أنجليس تايمز" نفس النهج، مما أدى إلى استقالات في هيئة التحرير، وأوضحت أن القرار جاء نتيجة لمواقف هاريس من الحرب في غزة، وليس دعماً لترامب.
- تباينت مواقف الإعلام الأميركي، حيث دعمت "نيويورك تايمز" هاريس، بينما دعمت "نيويورك بوست" ترامب، وهدد ترامب بسحب تراخيص البث من شبكات كبيرة بسبب تغطيتها الانتقادية له.
أعلنت صحيفة واشنطن بوست الأميركية العريقة التي يملكها الملياردير جيف بيزوس، الجمعة، أنها لن تدعم لا الديمقراطية كامالا هاريس ولا الجمهوري دونالد ترامب المرشحَين للانتخابات الرئاسية الأميركية، وذلك في موقف تتخذه للمرة الأولى منذ عام 1988. وقال الرئيس التنفيذي للصحيفة، وليام لويس، إن هذا يمثل عودة "إلى جذورنا بعدم تأييد مرشحين رئاسيين". خطوة "واشنطن بوست" تعكس تغيراً في مشهد الإعلام الأميركي مقارنة بالانتخابات الرئاسية السابقة.
الحياد بعد أربعة عقود
طوال العقود الأربعة الماضية، دأبت هيئة تحرير الصحيفة على دعم مرشحين وجميعهم من الديمقراطيين، قبل أن تقرر الآن البقاء على الحياد في أحد أكثر الانتخابات استقطاباً في تاريخ الولايات المتحدة، في خطوة غريبة على الإعلام الأميركي خصوصاً في العقود الثلاثة الأخيرة. وعلى الرغم من فقدان الصحف التأثير الذي كانت تحظى به في السابق، إلا أن "واشنطن بوست" التي تتخذ من "الديمقراطية تموت في الظلام" شعاراً لا تزال تحتفظ بتأثير ملحوظ بين النخبة في العاصمة الأميركية.
وهاجم رئيس التحرير التنفيذي السابق لـ"واشنطن بوست"، مارتي بارون، "جبن الصحيفة" الذي ستسقط الديمقراطية ضحيته. وقال بارون إن ترامب سينظر الى القرار "كدعوة ليمارس مزيداً من الترهيب" بحق جيف بيزوس.
مالك "واشنطن بوست" جيف بيزوس هو مؤسس شركة أمازون وشركة الفضاء بلو أوريجين، وكلتاهما لديها عقود مع الحكومة الفيدرالية. خلال إدارة ترامب، اضطر البنتاغون إلى إلغاء عقد للحوسبة السحابية قيمته عشرة مليارات دولار مع "مايكروسوفت" بعد أن رفعت "أمازون" دعوى قضائية زعمت فيها أن العقد سلب منها لمعاقبة بيزوس على تقارير "واشنطن بوست" المتعلقة بترامب. وكان ترامب قد صرح علناً بأنه راجع شخصياً العقد الذي كان من المتوقع أن تفوز به "أمازون". وفي النهاية، حصلت أربع شركات، بينها "أمازون" و"مايكروسوفت"، على حصة في العقد.
أما الرئيس التنفيذي الحالي للصحيفة وليام لويس فيتمتع بسمعة محافظة. شغل لويس نفس المنصب في صحيفة وول ستريت جورنال المملوكة لروبرت مردوخ، وعمل محرراً لصحيفة تليغراف التي تتخذ من لندن مقراً لها، والتي ترتبط بتحالف وثيق مع حزب المحافظين، وكان مستشاراً للبريطاني المحافظ بوريس جونسون عندما كان رئيساً للوزراء. وقال مقربون من بيزوس، لـ"الإذاعة الوطنية الأميركية" (NPR)، إن اختيار الأخير للويس يعود في جزء منه إلى قدرته على التوافق مع الشخصيات السياسية المحافظة صاحبة النفوذ، وبينها مردوخ.
"لوس أنجليس تايمز" أيضاً
يأتي قرار "واشنطن بوست" في أعقاب خطوة مماثلة عرفها الإعلام الأميركي لكن هذه المرة في صحيفة لوس أنجليس تايمز، إحدى الصحف الأميركية الكبرى المتبقية. وأعلنت مسؤولة التحرير في صحيفة لوس أنجليس تايمز، مارييل غارزا، استقالتها الأربعاء، احتجاجاً على منع مالك الصحيفة باتريك سون ــ شيونغ هيئة التحرير من إصدار تأييد لهاريس. اعتبرت غارزا أن القرار صوّر الصحيفة كأنها "جبانة ومنافقة". أيدت "لوس أنجليس تايمز" كامالا هاريس، وهي من سكان كاليفورنيا وتعيش في لوس أنجليس، لمنصب عام من قبل، وكانت صفحات الافتتاحيات في الصحيفة تدين روتينياً ترامب وسياساته. بعد فترة وجيزة من استقالة غارزا، استقال عضوان آخران من هيئة التحرير، هما روبرت غرين وكارين كلاين.
فاز غرين (65 عاماً) بجائزة بوليتزر لكتابة الافتتاحيات الصحافية عام 2021 بعدما نجح في دفع مسؤولي لوس أنجليس إلى تنفيذ تغييرات في قضايا مثل الشرطة وإصلاح الكفالة والسجون وغيرها. وأصدر بياناً يشرح قراره بترك صحيفة لوس أنجليس تايمز، قال فيه: "أدرك أن القرار يعود إلى المالك، لكن الأمر مؤلم بشكل خاص لأن أحد المرشحين، دونالد ترامب، أظهر عداءً شديداً للمبادئ التي تشكل جوهر الصحافة: احترام الحقيقة وتبجيل الديمقراطية".
أما كلاين فكتبت على حسابها في "فيسبوك" أنها لا تمانع "تدخل" سون - شيونغ في هذه القرارات. لكن ما لم تكن راضية عنه هو انتظاره حتى اللحظة الأخيرة لمنع تأييد هاريس، ما يمكن قراءته على أنه دعم لترامب. وقد استغل ترامب مخاوف كلاين، فوصفت حملته عدم حصول هاريس على تأييد من صحيفة رئيسية في ولايتها بأنه "ضربة مهينة" من المفترض أنها أظهرت "أن حتى مواطنيها الكاليفورنيين يعرفون أنها ليست على مستوى المنصب".
وقال سون - شيونغ، في مقابلة مع صحيفة سبكتروم نيوز الخميس الماضي، إنه يخشى أن يؤدي تأييد مرشح على حساب آخر إلى زيادة الانقسام في البلاد. وانتقد سون - شيونغ، الذي تقدر ثروته بنحو 7.1 مليار دولار، عشرات القراء الذين ألغوا اشتراكاتهم في الصحيفة بعد القرار، مدعياً أنهم يساهمون في القضاء على الديمقراطية. وقال: "يمكنكم التعبير عن آرائكم، لكنني آمل أن تفهموا أن عدم الاشتراك (في الصحيفة) يزيد من إضعاف الديمقراطية والسلطة الرابعة".
من جهتها أوضحت نيكا باتريك سون ــ شيونغ (31 عاماً) ابنة مالك الصحيفة، في بيان، أن قرار عائلتها بعدم تأييد هاريس، يعود إلى مواقفها من الحرب في غزة ودعمها المستمر لإسرائيل، وهو ما وصفته بـ"الإبادة الجماعية". وأضافت أن عائلتها، التي عانت من نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وجدت في هذا القرار فرصة لرفض مواقف تستهدف الصحافيين والأطفال الأبرياء في النزاعات المسلحة. وأكدت أن قرار العائلة "ليس تصويتًا لدونالد ترامب، وإنما رفضًا لتأييد مرشح يدير حربًا ضد الأطفال الأبرياء".
نيكا، التي تعد ناشطة بارزة على مواقع التواصل الاجتماعي وتضع العلم الفلسطيني بجوار اسمها على منصة "إكس" (تويتر سابقًا)، تنتقد بشدة العدوان الإسرائيلي على غزة وتتهم إسرائيل بارتكاب مجازر. كما توجه انتقادات لاذعة لإدارة بايدن بسبب موقفها الداعم لإسرائيل. في المقابل، حرص والدها، باتريك سون ــ شيونغ، على التأكيد بأن ابنته لا تمثل الصحيفة أو أي قرار متعلق بها، مشيرًا إلى أن تصريحاتها تعبر عن آرائها الشخصية فقط. سون ــ شيونغ، الذي اشترى الصحيفة في عام 2018 مقابل 500 مليون دولار، شدد في تصريحاته على أن قراره بعدم تأييد أي مرشح ليس تحيزًا لصالح ترامب، وإنما هو موقف يهدف إلى الحفاظ على استقلالية الصحيفة وحيادها.
مواقف الإعلام الأميركي
في أغسطس/آب الماضي، أعلنت صحيفة مينيسوتا ستار تريبيون أنها لن تدعم أياً من المرشحين للرئاسة الأميركية بعد الآن. ويملك الصحيفة الملياردير غلين تايلور، وهو يملك أيضاً فريق مينيسوتا تيمبرولفز. وناشرها هو ستيف غروف الذي كان مفوض التنمية الاقتصادية في إدارة الحاكم تيم والز، زميل هاريس في الترشح لمنصب نائب الرئيس.
وعلى النقيض من ذلك، أعلنت صحيفة نيويورك تايمز تأييدها لهاريس في سبتمبر/أيلول، ووصفتها بأنها "الاختيار الوطني الوحيد للرئاسة". أما ترامب فتلقى دعماً خاصاً الجمعة من صحيفة نيويورك بوست التي يملكها روبرت مردوخ، والتي أعلنت أن "أميركا مستعدة اليوم لاستعادة دونالد ترامب البطل للرئاسة".
وعلى صعيد القنوات التلفزيونية، فقد هدد دونالد ترامب مراراً بسحب تراخيص البث من ثلاث شبكات تلفزيونية كبيرة، هي "إيه بي سي" ABC و"سي بي إس" CBS و"إن بي سي" NBC، انتقاماً من المدققين فيها الذين فحصوا دقة تصريحاته هو وجي دي فانس الذي اختاره ليكون نائباً له، وذلك أثناء المناظرات والتغطية الإخبارية التي يزعم أنها غير عادلة.
وفي هذا السياق، قال ثلاثة صحافييين في قناة "إم إس إن بي سي" (MSNBC)، لـ"الإذاعة الوطنية العامة"، إن زملاء لهم أبدوا قلقاً من أن الفيلم الوثائقي الذي أنتجته استوديوهات "إن بي سي نيوز" حول آثار سياسات ترامب على الأسر المهاجرة المنفصلة على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة لن يُعرض حتى أوائل ديسمبر/كانون الأول المقبل، بعد شهر من إجراء الانتخابات الرئاسية الأميركية.
نجمة "إم إس إن بي سي" راشيل مادو من بين أكبر الداعمين للفيلم داخلياً. ويستند الفيلم إلى تقارير "إن بي سي" ومراسل "إم إس إن بي سي" جيكوب سوبوروف، وأخرجه المخرج السينمائي الشهير إرول موريس. وقد شكك موريس علناً في قرار الشبكة. إذ غرد موريس في وقت سابق من هذا الشهر: "لماذا لم يُعرض فيلمي على إن بي سي قبل الانتخابات؟ إنه ليس فيلماً حزبياً. إنه يتعلق بسياسة كانت مقززة وينبغي عدم السماح بتكرارها. استنتجوا بأنفسكم".
في المقابل، رفض المسؤولون التنفيذيون في "إن بي سي نيوز" أن تكون الاعتبارات السياسية قد لعبت أي دور في قرار برمجتها بشأن الفيلم. عرضت قناة "إم إس إن بي سي" فيلماً آخر بعنوان "من روسيا مع ليف"، حول الاتهامات ضد ترامب من قبل حليف تحول إلى منتقد، هو ليف بارناس. وصف كبار مقدمي البرامج في "إم إس إن بي سي" ترامب بأنه "فاشي" مراراً في الأيام الأخيرة، استناداً إلى تصريحات لاذعة من العديد من كبار مساعدي ترامب السابقين. وفي بيان، أكدت "إن بي سي نيوز" أنها فخورة بفيلم سوبوروف، مشيرة إلى أنه يستند إلى تقارير بثت سابقاً على "إن بي سي" و"إم إس إن بي سي".