بعد سنوات طويلة من فتح الباب على مصراعيه للإعلام الموالي لاستباحة الحياة الشخصية وبتر الحقائق أو تعمد تشويهها، تملقًا للنظام المصري الحالي، التفت المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام (مؤسسة حكومية مصرية)، إلى خطورة هذه الممارسات على المجتمع ككل. فقد قرر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، أخيرًا، إحالة بعض المواقع والصحف إلى تحقيقات عاجلة، بسبب "الإسراف في نشر القضايا الأخلاقية التي تسيء للمجتمع والأسرة ومن تناولهم"، دون سند من القانون أو تحقيقات النيابة العامة.
وقال المجلس في بيان له، في الثلاثين من يناير/ كانون الثاني الماضي، إنه "يجري في الوقت الراهن رصد دقيق حول جرائم النشر غير الأخلاقية، بجانب الشكاوى التي تلقاها من المواطنين ومن ذوي الشأن، وكلها تستنكر الخوض في سمعة وأعراض المواطنين البسطاء جرياً وراء جذب الجمهور، دون الوضع في الاعتبار أنهم ينتهكون حرمات مقدسة، ويستبيحون أعراضاً لم تثبت إدانتها، ويسيئون إلى حرية وسائل الإعلام المفترض أن تدافع عن الأبرياء ولا تنتهك الدستور والقانون والقواعد التي تحظر الخوض في السيرة الشخصية دون سند أو دليل".
وأعلن المجلس أنه في حالة انعقاد مستمر لبحث ومناقشة المخالفات والتجاوزات التي تبث على المواقع ووسائل الإعلام المختلفة والتي من شأنها أن "تسيء لسمعة المواطنين دون سند أو إثبات واتخاذ الإجراءات اللازمة تجاهها".
بعدها نشر المجلس ملخصًا تذكيريًا بنصوص "الكود" الأخلاقي للنشر والبث الصادر عن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام. وتضمنت الأكواد واحدًا لحماية القيم والأخلاق والالتزام بمبادئ وتقاليد المجتمع، ونصت على "الحفاظ على قيم وأخلاق ومبادئ وتقاليد المجتمع، وعدم الخوض في الأعراض أو تعميم الاتهامات، وعدم الإساءة إلى الآخرين واحترام الرأي الآخر، وعدم التحقير من الأشخاص أو المؤسسات، والحفاظ على النظام العام والآداب العامة، وتجنب ما يدعو إلى الإباحية أو يحض على الفسق والفجور، وإبراز أهمية القيم والأخلاق ودورهما في حماية المجتمع".
يشار إلى أن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، المتغافل عن حجب 682 موقعًا في مصر على الأقل، بينها 116 موقعًا صحافيًّا وإعلاميًّا، أنشئ بموجب قانون رقم 92 لسنة 2016 بإصدار قانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام. ووصفته "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان" (منظمة مجتمع مدني مصرية)، بـ"قانون سيئ السمعة، تأسس بموجبه المجلس الأعلى للصحافة والإعلام، والذي يقوم بدور الرقيب على الصحافة وحرية التعبير، ويؤدي دور شرطة الأخلاق، إلى جانب دور الجهة الأمنية التي تراجع المحتويات الصحافية والإعلامية وتقوم بغلق وحظر ومنع الصحافة والإعلام والعاملين بهما".
جاءت هذه الخطوة المتأخرة سنوات، بعد أيام من تقديم عضو مجلس نقابة الصحافيين المصرية محمود كامل مذكرة لمجلس النقابة بخصوص تطبيق إجراءات عملية لتفعيل ميثاق الشرف الصحافي بعد تكرار وقائع انتهاكه، وآخرها انتهاك حياة مواطنة مصرية من محافظة الغربية. وقال في المذكرة: "فجعنا خلال الأيام الماضية بكارثة التعدي على حرمة الحياة الشخصية لمواطنة مصرية من محافظة الغربية عبر النشر في عدد من المواقع الصحافية، التي اتهمت السيدة ووصمتها زوراً وبهتاناً بأوصاف وصمتها في عرضها وشرفها، وهي الاتهامات التي ثبت عدم صحتها بعد النشر. ولما كانت هذه الوقائع تعد من قبيل جرائم النشر التي فرض علينا قانون النقابة وميثاق الشرف الصحافي التحقيق فيها ومعاقبة أي عضو جمعية عمومية ينتهك ميثاق الشرف الصحافي، ولما كان دورنا هو حماية المجتمع وحماية الوطن من مثل هذه الممارسات، أتقدم بطلب لمناقشة هذه الأزمة المتكررة خلال اجتماع المجلس، يوم الأربعاء المقبل، لاتخاذ إجراءات عملية تمنع تكرار هذا التجاوز مرة أخرى ومحاسبة المتجاوزين في حق المهنة وحق المواطنين وحق الوطن".
وطرح كامل بعض المقترحات لمناقشتها خلال الاجتماع، منها "إخطار كل رؤساء التحرير بنسخة من قانون النقابة وميثاق الشرف الصحافي مع التأكيد عليهم للالتزام بكل نصوصه. والتأكيد على منع نشر بيانات وصور أطراف التقاضي في وقائع الزنا وقضايا الأسرة قبل صدور حكم من القضاء حتى تتبين بشكل نهائي المراكز القانونية لهم وحتى لا يتسبب النشر في التشهير بهم ووصمهم في شرفهم قبل بيان حقيقة الوقائع المرتبطة بهم، وتنظيم دورات تدريبية بشكل عاجل للزملاء في أقسام الحوادث لشرح نصوص ميثاق الشرف الصحافي".
كما اقترح "اعتماد دورة تدريبية ملزمة لكل الزملاء الجدد الملتحقين بجدول تحت التمرين لتعريفهم بنصوص قانون النقابة وميثاق الشرف الصحافي، وتشكيل لجنة من أساتذة المهنة لإعداد تقرير شهري بشكل دوري يتضمن مخالفات النشر، على أن يتم تقديمه للمجلس لاتخاذ الإجراءات اللازمة". وفي ما يتعلق بالواقعة الأخيرة، اقترح صدور قرار عن مجلس النقابة بإلزام كل رؤساء التحرير في المواقع التي نشرت الخبر الكاذب بنشر اعتذار واضح وصريح للسيدة المتهمة زورا في صدر الصفحة الرئيسية للموقع لمدة 3 أيام متتالية، فضلًا عن صدور بيان عن مجلس النقابة يؤكد على التزام الزملاء الصحافيين بميثاق الشرف الصحافي، ويشدد على أن المجلس لن يتهاون مع أي تجاوزات تجاه أي مواطن.
وأكد كامل في بيانه على نص ميثاق الشرف الصحافي في مبادئه العامة "على أن حرية الصحافة من حرية الوطن، والتزام الصحافيين بالدفاع عن حرية الصحافة، واستقلالها عن كل مصادر الوصاية والرقابة والتوجيه والاحتواء واجب وطني ومهني مقدس. كما أن الحرية أساس المسؤولية، والصحافة الحرة هي الجديرة وحدها بحمل مسؤولية الكلمة وعبء توجيه الرأي العام على أسس حقيقية".