منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ارتفعت وتيرة الاعتقالات في الضفة الغربية بشكل عام، ما ضاعف عدد الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما لم يستثنِ الفنّانين، ومدراء المؤسسات الثقافية والفنية، خصوصاً في محافظات الشمال، وتحديداً في مخيّمات اللاجئين.
ولم يكتف الاحتلال بتجديد الاعتقال الإداري لعدد من مدراء المؤسسات الثقافية والعاملين فيها، وهو اعتقال تمارسه السلطات الإسرائيلية تعسفاً من دون لائحة اتهام، وبذريعة وجود "ملف سريّ" لدى المعتقل تتحفظ عليه أجهزتها الاستخبارية، بل مارست المزيد من الاعتقالات. وكان أبرزها الشهر الماضي، حين اعتقل الاحتلال المدير العام لمسرح الحرية في مخيم جنين مصطفى شتا، الذي حكم عليه بالسجن الإدراي ستة أشهر قبل أيام، فيما جدد الاحتلال الحكم الإداري لكلّ من رئيس مجلس إدارة مسرح الحرية بلال السعدي، ومدير فرقة نقش للفنون الشعبية في جنين شرف أبو بكر، والمنسق في مدرسة سيرك فلسطين محمد أبو سخا.
واستنكرت شبكة الفنون الأدائية الفلسطينية هذه الاعتقالات غير القانونية التي "طاولت أعضاء من شبكة الفنون الأدائية"، مطالبة "بالإفراج عن جميع الأسرى الفلسطينيين، وضرورة وقف الاعتقالات التعسفية والاعتقال الإداري غير القانوني في حق الشعب الفلسطيني".
الاحتلال يواصل اعتقال مصطفى شتا
يستعيد المدير الفني لمسرح الحرية في مخيم جنين الفنان أحمد طوباسي اعتقاله مع زميله مصطفى شتا خلال اجتياح المخيم، بالإضافة إلى الطالب في المسرح جمال أبو جوس، يوم 13 ديسمبر/ كانون الأول الماضي. يقول لـ"العربي الجديد" إن الاعتقالات حصلت بعد اقتحام بيوت كلّ شخص بشكل منفرد، مع ما تخلله من تدمير داخل هذه البيوت، والاعتداء على سكانها، ثمّ التنكيل الشديد الذي تعرض له شخصياً. ويؤكد أن جيش الاحتلال يستهدف مسرح الحرية في كل اجتياح للمخيم، حتى تحوّل مركز اعتقال في أكثر من مرّة، وتعرض للقصف وتضرر بشكل جزئي.
ويشدّد طوباسي على أن مسرح الحرية في مخيم جنين يعمل منذ تأسيه على مقاومة الاحتلال الإسرائيلي عبر الفنون والثقافة، وهو "ما لا يروق للاحتلال، ويوجع سلطاته التي لا تريد للفلسطيني امتلاك القدرة على تقديم نفسه بطريقة تكشف زيف ادعاءاته بوصفنا بالإرهابيين، خصوصاً في شمال الضفة، وتحديداً مخيمات اللاجئين، وبينها مخيم جنين"، بحيث عمد الإسرائيليون بمساعدة مسانديهم في الغرب على محو صفة الإنسانية عن الفلسطيني، ولهذا فـ"إنهم يلاحقون القائمين على المسرح الذي يفضح جرائمهم عبر إنتاجاته التي جابت دول العالم، وعرّت الاحتلال بالمقاومة الثقافية الفنية، رافعين شعار أن خشبة المسرح هي الكلاشينكوف الخاص بنا".
ويكشف طوباسي، لـ"العربي الجديد"، أنه بالتزامن مع اعتقاله مع زملائه، حطّم الاحتلال محتويات المسرح، ورسم النجمة السداسية وكتب عبارات انتقامية بالعبرية على ملصقات الأعمال المسرحية. وأضاف "كنت على تواصل مع مصطفى (شتا) قبل دقائق من اقتحام منزلي، وعلى ما يبدو منزله بالتزامن، وكنا نشاهد محاصرتهم مقر المسرح... اقتحموا المنزل، واعتقلوني، واعتدوا عليّ بالضرب، وحطموا كل ما يمكن تحطيمه في المنزل، كما أنهم وبعد تقييدي وضعوا عليّ ملابس للجيش للتدليل على كوني (إرهابي)، وأخذوا يلتقطون الصور برفقتي... كانت رحلة تنكيل جسدية ونفسية من الصعب التعبير عنها بالكلمات. خلال اعتقالي، علمت أنهم اعتقلوا مصطفى شتا، وحين نادوا على اسمي من دون الآخرين، توقعت زجي بالسجن كغيري ممن لم يفعلوا شيئاً إلا كونهم فلسطينيين، لكنهم أفرجوا عني بعد قرابة 15 ساعة، إثر تدخل من جهات رسمية نرويجية على اعتبار أنني أحمل الجنسية النرويجية".
وتواصل المسرح، حسب طوباسي، مع عدد من المؤسسات الثقافية والفنية في العالم، وبدأت حملات كبيرة تطالب سلطات الاحتلال بالإفراج عن مصطفى شتا، وهو مدير مؤسسة فنية ثقافية تعتمد الفكر المقاوم، وهو أيضاً أب لأربعة أطفال.
ويؤكد أن المسرح عاد إلى العمل مجدداً في مقره في مخيم جنين، أو عبر تقديم عروض حول العالم، وكان آخرها العمل المسرحي "مترو غزة" الذي عرض في افتتاح الدورة الأخيرة من مهرجان المسرح العربي في بغداد، وقبلها في العاصمة الأردنية.
سيرك فلسطين
بدوره، ذكّر مدير عام مدرسة سيرك فلسطين محمد رباح، في حديثه لـ"العربي الجديد"، باعتقال الاحتلال محمد أبو سخا، منسق أحد برامج مدرسة السيرك، الصيف الماضي، قبل يوم من توجهه إلى فنلندا للمشاركة في تدريب متخصص. وكان أبو سخا ذاهباً إلى أسرته في جنين، واعتقله الاحتلال بعد إيقافه عند حاجز عسكري مؤقت في بلدة حوّارة. أبو سخا نفسه اعتقل أيضاً عام 2015 مدة 21 شهراً في إطار الاعتقال الإداري، ووقتها انتظمت حملة عالمية ضخمة ومؤثرة لإطلاق سراحه في عواصم عالمية عدّة، ومنها تظاهرة أمام سجن النقب حيث كانت تعتقله سلطات الاحتلال، وهو ما دفع وزيراً في حكومة الاحتلال، وقتذاك، للخروج متحدثاً عنه، ووصفه بـ"الإرهابي"، لكن في نهاية المطاف، أطلق سراحه من دون توجيه أي تهمة له.
فرقة نقش للفنون الشعبية
أما المدير السابق لفرقة نقش للفنون الشعبية في جنين لؤي طافش، فيرجح في حديث لـ"العربي الجديد" أن اعتقال مدير الفرقة شرف أبو بكر، وتمديد اعتقاله الإداري لثلاث مرّات، آخرها قبل أيام، وغيره من الفنانين، والناشطين الثقافيين، ومدراء المؤسسات الثقافية والفنية، يأتيان في إطار مدروس وممنهج، خصوصاً منذ عام 2021، إذ باتت مؤسسة المرصد الإسرائيلي تتتبع المؤسسات والفرق الفنية والعاملين في مجال الفن، وتقدم تقارير للجهات الإسرائيلية، وجهات دولية، "تتعلق بمحتوى ما نقدمه، شكلاً ومضموناً، والبرامج التي ننظمها، والعاملين لدينا، وتحديد ما يمكن أن تصفه بالمحتوى التحريضي، وبالتالي استهدافه".
ويعطي مثالاً عن فرقة نقش نفسها. فمن خلال عملها على ثيمة الوطن الحر والمتماسك، أو التعبير بالفنون عن رفض الاستيطان في منطقة بعينها أو في عموم الضفة، أو تسمية إحدى مجموعات الدبكة باسم الثائرة الفلسطينية ناريمان خورشيد، التي حملت ورفيقاتها السلاح ذات يوم ضد العصابات الصهيونية والاحتلال البريطاني ما قبل النكبة، "كل ذلك يجعل عملنا مندرجاً تحت خانة التحريض".
ويكشف طافش، الذي اعتقل حين كان مديراً لفرقة نفش عام 2016، لـ"العربي الجديد"، أنه في سياق استهداف المؤسسات والمراكز والفرق الفنية الفلسطينية، والاتجاه نحو سياسة الاعتقال الإداري للقائمين عليها والفاعلين فيها، لم تكن سلطات الاحتلال تشير صراحة إلى أن هذه الاعتقالات ترتبط بالنشاط الثقافي أو الفني للمعتقل الفلسطيني، "فعند اعتقالي كانت التحقيقات تتمحور حول نشاطات الفرقة، والتشكيك في كونها محض أعمال فنية فحسب، وهو ما كان عند الإفراج عنه بعد عام، حيث مُدّد الاعتقال الإداري له ثلاث مرات، بواقع أربعة أشهر كل مرّة، وهو ما ينطبق على شرف أبو بكر".