يجسد الفنان الفلسطيني محمد الكرنز، من مخيم البريج للاجئين الفلسطينيين وسط قطاع غزة، معاناة سكان المخيمات التي تضمها محافظات القطاع الخمس، عبر لوحات فنية، تعكس تفاصيل الانفجار السُكاني وتبعاته.
يصور الكرنز عبر مشروعه "من ريف المخيم"، الذي مَزَج فيه بين الواقع الصعب، والآمال المعقودة على مستقبل أفضل، تداعيات الاكتظاظ والكثافة السكانية العالية، داخل تلك المخيمات، التي دفعت السُكان إلى التوسع خارج إطار المخيمات، وفي محيطها، بغرض التخفيف من معاناتهم المتواصلة.
ذلك التوسع، أدى إلى خلق أزمة إضافية، بفعل عدم حصول تلك الفئة على الخدمات التي تقدمها البلديات، على اعتبار أنها "خارج حدود المُخيم الرسمية"، حيث يقتصر عمل تلك البلديات "وفق قوانينها"، داخل إطار المخيمات فقط، وقد عكس الفنان تلك التفاصيل بريشته وألوانه.
يوضح محمد الكرنز في حديث إلى "العربي الجديد" أن مصطلح "ريف المخيم" تم إطلاقه "مَجازًا"، إذ لا يوجد في الواقع شيء يسمى بهذا الاسم، حيث قام بتصوير الأراضي الخضراء المحيطة بأي من المخيمات الفلسطينية، على أنها ريف غني بالمساحات الخضراء.
يقول: "تعتبر تلك المساحات الخضراء المتنفس لأهالي بعض المخيمات، إلا أنها تأثرت بفعل الكثافة السُكانية العالية، التي دفعت الناس للامتداد بالبقعة العمرانية نحو تلك المساحات الخضراء وتقليصها"، ما استفز ريشته لتصوير معاناة أهالي تلك المخيمات ومُحيطها، بأسلوبه الخاص.
يُنفذ مشروع "من ريف المخيم"، ضمن برنامج المنح الإنتاجية، والذي ينظمه محترف شبابيك، دائرة الفن المعاصر التابعة للاتحاد العام للمراكز الثقافية، وبالشراكة مع مؤسسة عبد المحسن القطان عبر منحة مشروع "الفنون البصرية - نماء واستدامة "الدورة الثانية.
واتخذت لوحات المشروع طابعًا خاصًا بالفنان الكرنز، الذي حاول التمرد على مدارس الفنون التشكيلية، حيث أطلق عليه أسلوب "البقع اللونية"، وهي دوائر مِطواعة، ومتغيرة الأحجام والألوان وأحيانًا الأشكال، تُشكِل بمجموعها تكوين اللوحة التشكيلية، وقد بدت واضحة في مختلف لوحاته متعددة الأشكال والمقاسات، إذ تراوح حجمها بين 120 سم، حتى 170 سم، مُستخدمًا ألوان "الأكريليك".
يسعى الكرنز عبر لوحاته إلى الحديث عن الأزمة المُركبة التي يعاني منها سُكان المخيمات- الواقعة أصلا ضمن محافظات قطاع غزة، والذي يعتبر من أكثر المناطق صاحبة الكثافة السكانية في العالم- وتمثلت في حرمانهم من المساحات الخضراء، التي تعتبر المتنفس الوحيد، بفعل انعدام الأماكن الترفيهية والعامة، إضافة إلى حرمانهم من الخدمات الأساسية، على اعتبار أنهم باتوا خارج الاهتمام الرسمي.
وضمت لوحات المشروع، لوحة "صابر وصابرين"، وهما طفلان يعيشان داخل المخيم، ويحاولان استغلال أي لحظة سعادة ومرح، فقام بتصوير محيط خاص بهما، أثناء قيامهما بعزف الموسيقى في أحد أزقة المخيم، على اعتبار أنها لغة العالم، فيما عكست لوحة لطفلة تبيع الباذنجان تفاصيل الحياة البائسة، والأوضاع المعيشية المُتردية.
مُشاركة المرأة إلى جانب الرجل في الحصاد، كانت ضمن اللوحات التي تضمنها مشروع "من ريف المخيم"، إذ صَوّر موسم جني الزيتون، ودور النساء في ذلك العُرس التراثي السنوي، كذلك جسد رعي الأغنام، والراعي الذي يعزف على آلة الناي، وقد أُحيط بقطيع من الماعز والخِراف، فيما صَوّر كذلك طفلة تقرأ كتابها وسط ساحة صغيرة داخل المُخيم، وقد استلقت داخل إطار سيارة فارغ، في إشارة إلى رمزية إطارات السيارات في الانتفاضة والثورة الفلسطينيتَين.
وتُجسد اللوحات الفنية ملامح المُخيمات الفلسطينية، بمبانيها البدائية وواجهاتها المهترئة، وممراتها الضيفة، وشوارعها غير المرصوفة والقديمة، فيما تُصور الواقع القاتم، بألوان زاهية، تعكس آمال السُكان بمُستقبل أجمل.
ولم يغفل الكرنز عبر لوحاته، تجسيد الواقع المرجو للمساحات الخضراء، والتي تم قضمها بفعل البنيان العشوائي أو المُنظم، إذ صَوّر أطفالًا يلهون في أحضان الطبيعة، وسيدات يسرن في الشارع وقد حملن الخضروات، وأطفالًا يعزفون الموسيقى، إلى جانب مشاهد الأشجار المثمرة، والورود المُزهرة.