البرامج الرمضانية المغربيّة... دوامة كذب بصريّ
تقوم فكرة برامج المقالب داخل التلفزيون المغربي، على فكرة الإيقاع ببعض النجوم، الذين لهم مكانة كبيرة داخل وجدان المُشاهد من خلال ما يتعرّضون له من مهانة ومذلّة، فيختبرون مدى صدقهم وحرصهم على عدم الصراخ في وجه الكاميرا. لكن مع ذلك، يُبدي هؤلاء النجوم ردود فعل عنيفة وغريبة، تُظهر الوجه الحقيقي لنجومية مرتبكة ومزيّفة تجاه الآخر. لكن بقدر ما يعمل المخرج بشكل مباشر وداخل سياقات مُعيّنة على إثارة غضب هؤلاء النجوم، فإنّ الكاميرا هي الأخرى تُمارس سُلطتها الماكرة والصادقة، تجاه عدد من الفنانين من خلال رصد لاشعورهم الفني، فيجد الفنّان نفسه معدَماً أمام هذه الآلة الصامتة، التي تلتقط بشراهة كل حركة أو صوت أو كلام أو انفعال يصدر عن النجم.
هذا التحوّل البصري، هو ما يستغلّه التلفزيون المغربي لإقامة مثل هذه البرامج خلال شهر رمضان، خاصّة لحظة الإفطار، حيث المغاربة (وغيرهم) يتابعون بشراهة برامج المقالب الساخرة، وهي تُقدّم لهم مزيجاً مُتناقضاً، بين فنّ منكوب وواقع تلفزيوني مأزوم، يستخدم الكليشيهات البصريّة كمادة للضحك. لكن رغم هشاشة هذه المقالب، فإنّها تحصد الملايين من المُشاهدات، يغذي من خلالها التلفزيون خزينته مادياً استعداداً لإنتاج أفلام تلفزيونية ومسلسلات، ليس لقيمتها الفنية، وإنّما لعدم وجود بديل فني، قد يحلّ مكان هذه المقالب السخيفة داخل القناة الأولى والثانية من التلفزيون المغربي، فهي تبقى الخيار الوحيد لدى هذا الوسيط البصري على مستوى تفاعل الجمهور مع الإنتاج الرمضاني. ثم إنّه من السهل إنتاج هذه المقالب داخل مجال فنيّ مقلوب، يعيش ويحيا بهذه العشوائية، والتي لا تكاد كل حلقة تخلو منها، نظراً لكونها غير مُؤسّسة على معرفة وعلى نظام فني وجمالي يحكم أفقها.
مع مطلع كل شهر رمضان، يخرج المدوّنون المغاربة على صفحاتهم وهم يُندّدون مطالبين بضرورة توقيف هذه البرامج، والتي تسخر من الناس على أساس أنّها تُقدّم لهم "نجومهم" المفضّلين وهم في وضعيات عصيبة ومزرية. لكنّهم مع ذلك، يُشاهدون بإفراط برامج المقالب، وإلاّ كيف نُفسّر الملايين من المُشاهدات، التي يحلو للتلفزيون التباهي بها لمواقع إلكترونية مغربيّة، كلّما اشتدّ عليه النقد من الناس والصحافة؟ والأكثر من ذلك، هو خروج الكثير من الفنانين المغاربة ممن تتملّكهم حرقة الفنّ، والذين يتنصّلون من هذه المقالب، وما إذا كانت هذه البرامج تنتمي إلى عالم الفنّ حقاً، لدرجة أنّ الكثير من الأسماء المعروفة خرجت للتشهير ببرامج المقالب على أساس أنّها مُفبركة وغير صحيحة ومعطوبة في أساسها، لأنّ المغاربة سمحوا لها بالدخول إلى بيوتهم لتُقدّم لهم كذباً ووهماً على أساس أنّه حقيقة.
كيف يقبل الفنّان المغربي، خصوصًا بعد أن قضى بعضهم أكثر من 40 سنة في المجال الفني، أن يغدو في دقائق معدودة "فرجة" ساخرة للناس، وهو يقذف ويسبّ من فرط الغضب. بهذه الطريقة تتحوّل مشاهد برامج المقالب إلى مجرّد فخّ فني للحصول على تفاعلات وهمية، بحيث يُصبح الجمهور المغربي بكل أطيافه، وكأنّه يعيش في دوّامة كذب بصري داخل "كاميرا خفية"، يلعب فيها أعيان التلفزيون دور البطولة وهم يحصون أرباحهم بتواطؤ من المخرج والمُؤلّف والفنّان.