يعيش السياسي الدنماركي المحافظ ناصر خضر، وهو من أصول فلسطينية ــ سورية، أسوأ أيامه، بعد الكشف عن "استغلال منصبه البرلماني لتكميم أفواه منتقديه في الصحافة وعالم الأكاديميا ووسائل التواصل الاجتماعي".
عاصفة من الانتقادات اندلعت بعدما تحدث باحثون وصحافيون وناشطون في الشأنين السياسي والاجتماعي عن تجربتهم مع "تهديد خضر بالاتصال بأرباب عملهم أو بصور حميمية خاصة، لإسكات منتقديه"، وفق ما نقلت لما صحيفة "بيرلنغكسا" يوم الأحد الماضي. وتوالت القصص في صحف أخرى منذ أمس الاثنين.
خضر اتهم "بيرلنغكسا" سابقاً بأنها صحيفة تعمل "على طريقة صحافة الشرق الأوسط"، وهو يعيش منذ عام 2006 تحت حماية الاستخبارات الدنماركية، حيث لا يوجد في البرلمان أو في أي مكان عام من دون مرافقة أمنية، بعد أن جرى تقييم أنه "يعيش حالة تهديد بالقتل"، إثر توجيهه انتقادات عنيفة للمسلمين، على خلفية مهاجمة وحرق سفارتي الدنمارك في دمشق وبيروت بعد أزمة الرسوم المسيئة للنبي محمد.
وحتى مساء الاثنين، رفض خضر التعليق على الضجة التي أثيرت في وسائل الإعلام المحلية حول "وسائل غير ديمقراطية في استغلال منصبه لتكميم الأفواه"، بحسب ما وصف خبراء حقوقيون، ومن بينهم مدير مركز الفكر القانوني "جوستيتيا" ياكوب مكانغاما، الذي اعتبر أن خضر "تمادى جداً في اتصاله بأرباب عمل نقاده لإيقافهم عن التعبير عن آرائهم".
وقال مكانغاما، المعروف بدفاعه القانوني ضد التمييز وعن حرية التعبير، إن خضر بتصرفه "يظهر بعض النفاق، إذ عندما يتحدث المرء بصوت عال عن قدسية حرية التعبير من ناحية وفي الأخرى لا يتحمل التهكم والسخرية والانتقاد، فإنه يخلق ثقافة غير صحية لحرية التعبير، خصوصاً إذا فعلها من هم في السلطة ــ وهم ممن يجب أن يتحملوا الانتقاد أكثر من غيرهم ــ باستخدام نفوذهم في تكميم الأفواه والنقد المشروع".
اتصال خضر بأرباب العمل لوقف منتقديه لم يقتصر على القطاع الخاص، بل تجاوزه إلى الوزارات، فقد كشف النقاب عن تقديمه شكوى ضد الموظف في الدائرة القانونية طارق حسين، متهماً إياه بأنه "إسلاموي"، وهي تهمة تطاول كل من يتجرأ على مناقشة مواقفه وانتقاد أحكامه المسبقة من العرب والمسلمين داخل وخارج الدنمارك. ولم يتهم حسين بأنه "إسلاموي" سوى لأنه كتب رسالة قرّاء اتهم فيها خضر بأنه "منافق وبمواقف ازدواجية تجاه الديمقراطية".
وفي حالة أخرى كشف عنها، اتصل خضر بمدير "جامعة أودنسه" لوقف الباحث في الشؤون الدينية، تيم ينسن، عن انتقاد سوء فهم خضر للإسلام. ومنذ 2006 توقف ينسن عن انتقاد دور خضر، "وصرت أتذرع للصحافة بأني مشغول ولا أستطيع المشاركة"، وفق ما قال. وتعرض ينسن للترهيب، لانتقاده ما أطلق عليه خضر "الإسلام الديمقراطي"، وهي عبارة عن مؤسسة أنشأها الأخير وبعض من تياره لتضم من يريد أن يلتزم بمفهوم خضر عن الإسلام.
كما يتهم خضر شخصيات نسوية من أصول إسلامية (إحداهن كان على علاقة عاطفية معها) بأنهن "إسلاميات متشددات"، وكُشف النقاب عن تهديده لإحداهن بصور خاصة جداً إذا لم تتوقف عن انتقاده.
ورغم الانتقادات التي وجهت له بسبب مواقفه من مسلمي الدنمارك، أكد ناصر خضر لـ"العربي الجديد" أنه "ينتقد السلبيات ويساء فهم ما يعنيه، وليست له مواقف معادية من الحجاب كما يشاع، فأمه محجبة".
ناصر خضر (54 عاماً) انتقل مع والديه (الأب فلسطيني والأم سورية) إلى الدنمارك حين كان في العاشرة من العمر، وعرف في البلاد بـ"المسلم المحبب للدنماركيين"، بعد إصداره كتاب "الشرف والعار" بالدنماركية، الذي سلط فيه الضوء على ما اعتبره نفاق التربية العربية وازدواجيتها.
وبعد مطالبات من قرائه على "فيسبوك" بالتعليق على القضية، عبر أحد منشوراته، كتب خضر مهدداً مساء الاثنين "كل من يخرج عن المنشور المحدد سيجرى مسحه وإلغاء متابعته للصفحة". رئيس الحزب المحافظ سورن بابي بولسن، الذي تظهر الاستطلاعات تقدمه الكبير، يخشى على شعبيته، فعبّر فجر اليوم الثلاثاء عن رفضه لتصرفات خضر، وأعلن أن الأخير "في إجازة مرضية بسبب التوتر"، على أن يحتل مقعده عن الحزب شخصاً بديلاً له.
ودخل خضر في مناسبات عدة في نزاعات سياسية كثيرة مع زملاء دنماركيين أسس معهم الحزب السياسي "التحالف الليبرالي الجديد"، قبل أن يتركه إلى يسار الوسط "راديكال"، وانتقل بعده منذ دورتين برلمانيتين إلى "حزب المحافظين". ولا يخفي خضر مقته لليسار الدنماركي، وخصوصاً حزب "اللائحة الموحدة" (إنهيدس ليستا) المعروف بمواقفه المدافعة عن القضية الفلسطينية والمهاجرين واللاجئين، ورئيس حزب "الشعب الاشتراكي" السابق هولغر كيه. نيلسن الذي وضعه الاحتلال على قوائمه السوداء بسبب تأييده حق الفلسطينيين في المقاومة.
كان خضر دخل في سجالات كثيرة مع الصحافة الدنماركية، من بينها أهم ثلاثة صحف، "إنفورماسيون" و"بوليتيكن" و"بيرلنغكسا"، على خلفية تصريحاته المثيرة للجدل عن المهاجرين، والاتهامات بالتعميم على سكان منطقة "نوربرو" في كوبنهاغن، التي تقطنها أقليات وجمع كبير من الأصول الفلسطينية.