قبل أكثر من 3 آلاف عام، بدأ سكان الصحراء الكبرى، وسكان شبه الجزيرة العربية، استئناس وتربية الجمال التي عُرفت بقدرتها على تحمل أقسى ظروف الجفاف والحرارة في أراض صحراوية توصف بأنّها من بين الأراضي الأشد قحلاً على مستوى العالم.
بيئة الصحاري العربية
في دراسة جديدة، سلط باحثون من جامعة "بريستول" البريطانية الضوء على دور كليتي الجمل العربي ذي السنام الواحد في زيادة قدرته على التأقلم مع ظروف الجفاف وارتفاع الحرارة وندرة المياه، وهي السمات التي تتصف بها بيئة الصحاري العربية. في الدراسة التي نشرت يوم الأربعاء في 23 يونيو/ حزيران الجاري في مجلة Communications Biology درس الباحثون استجابة كليتي الجمل العربي ذي السنام الواحد، أهم حيوان في المناطق الجافة وشبه الجافة في شمال وشرق أفريقيا وشبه الجزيرة العربية وإيران، للجفاف وضغوط الإماهة (الفقدان السريع للمياه).
أسابيع من دون ماء
يوفر الجمل الاحتياجات الأساسية لملايين الأشخاص، إذ يتكيف بشكل جيد جداً مع البيئات الصحراوية الجافة ويمكنه أن يتحمل أسابيع من دون الوصول إلى الماء، وهو ما يرجعه الباحثون إلى الكلى المتطورة للغاية التي تعد مفتاح إنتاج بول عالي التركيز لضمان عدم إهدار مخزون الماء الذي يستخدمه الجمل لمساعدته على البقاء. ويُعتقد أنّه تم تدجين الجمل منذ ما بين 3000 و6000 عام في شبه الجزيرة العربية. وقد استخدم الجمل في حمل الأمتعة والتنقل والسباق، بالإضافة إلى إنتاج الحليب واللحوم، وما زالت تستخدم الجمال حتى اليوم للأغراض نفسها.
دور الكوليسترول
قال المؤلف الرئيسي في الدراسة، فيرناندو ألفيرال إيرازوز، الباحث في جامعة "بريستول" إنّ الفريق البحثي أجرى تحليلاً لكيفية تغير آلاف الجينات في كليتي الإبل نتيجة للجفاف والإماهة، واقترح الفريق أنّ كمية الكوليسترول في الكليتين لها دور كبير في تنظيم عملية الحفاظ على المياه. استعان الباحثون بتقنيات مختلفة للتحقق من صحة هذه النتائج، وأوضح إيرازوز في تصريح لـ"العربي الجديد" أنّ الاستنتاج الرئيسي للدراسة هو أنّ انخفاض كمية الكوليسترول في غشاء خلايا الكليتين من شأنه أن يسهل حركة المواد المذابة والماء عبر أقسام مختلفة منهما، وهي عملية مطلوبة لإعادة امتصاص الماء بكفاءة وإنتاج بول عالي التركيز، وبالتالي تجنب فقدان الماء.
نتائج فريدة
استخدم الباحثون قدراً كبيراً من أدوات المعلومات الحيوية لمعالجة بيانات تسلسل الحمض النووي الريبوزي وتحليل النتائج. وفي المختبر، استخدم الباحثون تفاعل البوليمراز المتسلسل اللحظي للتحقق من صحة الجينات ذات الأهمية وتقنيات الكيمياء النسيجية المناعية لتصور كمية الكوليسترول في أغشية الخلية. كما استخدموا أيضاً أنظمة مؤتمتة لقياس كوليسترول البلازما ومزيجاً من عزل غشاء البلازما ومقايسة الكوليسترول بناء على القياسات اللونية لتحديد نسبة الكوليسترول في الأغشية. وأشار المؤلف الرئيسي إيرازوز إلى أنّ نتائج هذه الدراسة تبرز للمرة الأولى أنّ مستوى الكوليسترول على ارتباط مباشر بالحفاظ على المياه في الكلى. وبالتالي، فإنّ الدراسة تقدم نتائج فريدة قد تكون مهمة عند دراسة الأنواع الأخرى.
بيانات متاحة
وقال إيرازوز لـ"ألعربي الجديد": "يعتبر الدور الموصوف للكوليسترول جديداً ولم يتم وصفه من قبل، وهذا مهم لأنّه يضع سابقة يمكن التحقيق فيها في الأنواع الأخرى في مشروع بحثي مستقبلي، ونقدم الدراسة أيضاً مصدراً هائلاً للمعلومات التي تعد ذات قيمة كبيرة في سياق تغير المناخ، وبالتالي ستساعد العلماء في فهم آليات التحكم في المياه في حالة الجفاف". قدمت الدراسة مجموعة كبيرة وشاملة من البيانات التي أصبحت متاحة مجاناً ويمكن لأي شخص استخدامها من الآن فصاعداً، وهي مساهمة مهمة يعتقد إيرازوز أنّها يمكن أن تساعد العلماء الآخرين في فهم المزيد حول كيفية عمل كلى الجمال. ويسعى الفريق لدراسة كيفية استجابة دماغ الجمل للمحفزات نفسها وكيفية تكيف الأنواع الأخرى مع الحياة في الصحاري الجافة.