يمكن لكلى الحيتان الزعنفية الضخمة، أن تؤدي وظيفة التنفس في أثناء عملية تناول الطعام بكميات هائلة، نظراً لطبيعة هذا الكائن الضخم، من دون أن يعرض ذلك الحيتان لمخاطر الاختناق، نتيجة تعرض أفواهها لقوة جسدية هائلة، إذ تفتحها لتبتلع كميات كبيرة من فرائسها الصغيرة، في جرعة واحدة عملاقة.
ووفقاً لدراسة جديدة؛ فإن الحيتان التي تتغذى بالاندفاع في الماء، لا تغرق ولا تتعرض للاختناق بسبب وجود "سدادة فموية" في أفواهها. تتحرك هذه السدادة للخلف لإغلاق الشعب الهوائية العليا أثناء عملية تناول الطعام، في حين تغلق حنجرتها أيضاً لإغلاق المسالك الهوائية السفلية.
يشير الباحثون في نتائج الدراسة التي نشرت يوم 20 من الشهر الماضي، في مجلة Current Biology، إلى أن كل الماء الذي يدخل فم الحوت أثناء عملية الاندفاع، يُصفّى قبل ابتلاع الفرائس، فالسدادة الفموية للحيتان تحافظ أيضاً على اختلاط الفريسة بالماء من دفعها إلى البلعوم وأسفل المريء أثناء الاندفاع، وتمنع هذه السدادة الماء من دخول رئتي الحوت.
يعتقد العلماء أن هذه السدادة المصنوعة من العضلات والدهون الموجودة في الجزء الخلفي من أفواه حيتان؛ إذ تسد القناة بين فم الحوت الزعنفي والبلعوم، وهو مدخل الجهاز التنفسي والجهاز الهضمي، ومن ثم تمنع الماء من الاندفاع إلى رئتي الحوت ومعدته أثناء اندفاعه.
وقالت المؤلفة الرئيسية في الدراسة، كيلسي جيل، زميلة أبحاث ما بعد الدكتوراه في علم الحيوان في جامعة كولومبيا البريطانية، إنها وزملاءها اكتشفوا بنية في حيتان الزعنفة، والتي من المحتمل أن توجد في جميع الحيتان التي تتغذى بالاندفاع، أطلقوا عليها اسم "السدادة الشفوية".
وأضافت الباحثة في تعليق لـ"العربي الجديد": "وجدنا أن هذه السدادة، تُغلق القناة بين الفم والبلعوم. وهذا يعني أنه عندما يندفع الحوت، يتم حماية مدخل البلعوم وبالتالي الجهاز التنفسي، حتى لا يتعرض هذا الكائن للاختناق بسبب قوة الاندفاع وكمية المياه الداخلة إلى الفم".
حددت جيل وفريقها السدادة بعد فحص البلعوم في 19 حوتاً زعنفياً (Balaenoptera physalus) جرى جلبها من محطة صيد حيتان في آيسلندا. ونظراً لأن حيتان الزعانف (Fin whale) ضخمة جدا، ويمكن أن يصل وزنها إلى قرابة 100 طن، وهو حجم طائرة ركاب متوسطة الحجم، فقد كان من الأسهل دراسة البلعوم فقط، الذي بلغ وزنه مئات الكيلو غرامات. لذلك، كان على جيل وزملائها استخدام رافعة شوكية لنقل البلعوم إلى المختبر، حتى يسهل تشريحه ودراسته.
كان التشريح العام لحنجرة الحوت معروفاً من قبل، وكانت لدى العلماء بعض المعلومات حول كيفية إصدار الحنجرة في الحيتان للصوت. لكنهم لم يعرفوا الكثير عن بقية البلعوم، أو الوصلة الحاسمة بين الجهاز التنفسي والجهاز الهضمي، أو ما يحدث عندما يبتلع الحوت.
وأشارت الباحثة، إلى أن دراسة هذا الأمر في حوت حي، تعد مستحيلة، لذلك لجأ الفريق البحثي إلى دراسة أنسجة من حيتان ميتة واستخدام مورفولوجيا (خصائص الشكل والحجم) وظيفية لتقييم العلاقة بين الهيكل ووظيفته. فحص الباحثون تشريح الحوت، سواء في حالته السليمة، أو عن طريق تشريح البلعوم بعناية، ليروا كيف يمكن أن تتحرك السدادة، ونظروا أيضا إلى اتجاه ألياف العضلات، لفهم كيفية تحركها عندما تنقبض العضلات.
"عندما تتحرك السدادة الفموية إلى الخلف وللأعلى لسد تجاويف الأنف، فهذا يعني أنه لا يمكن أن يكون هناك هيكل آخر في نفس المكان أسفل تجاويف الأنف. أجبرنا ذلك على فحص الحنجرة، لأن تلك البقعة هي المكان الذي نتوقع رؤية الحنجرة فيه أثناء التنفس، ولكن لا يمكن أن تكون في هذا الوضع أثناء البلع. وبدلاً من ذلك، يجري حجز الحنجرة على أرضية البلعوم، حيث تكون الغضاريف الحنجرية قريبة، لحمايتها. ثم يدفع كيس عضلي متصل بأسفل الحنجرة إلى أعلى داخل التجويف الحنجري لإغلاق الجهاز التنفسي السفلي تماما"، تشرح جيل.